ذكر الأقيشر وأخباره
  فقال له المجوسيّ: ويحك! سألت قومك فلم يعطوك وجئتني فأعطيتك، فجزيتني هذا القول ولم أفلت من شعرك وشرّك! قال: أو ما ترضى أن جعلتك مع الملوك وفوق(١) أبي جهل!. ثم جاء إلى عكرمة بن ربعيّ التميميّ فلم يعطه، فقال فيه:
  سألت ربيعة من شرّها ... أبا ثم أمّا فقالوا لمه
  فقلت لأعلم من شرّكم ... وأجعل بالسبّ فيه سمه(٢)
  فقالوا لعكرمة المخزيات ... وماذا يرى الناس في عكرمة
  فإن يك عبدا زكا ماله ... فما غير ذا فيه من مكرمه
  شرب بما معه وبثيابه ثم جلس في تبن وحديث الخمار معه:
  قال ابن الكلبيّ: وشرب الأقيشر في حانة خمّار حتى أنفد ما معه، ثم شرب بثيابه حتى غلقت(٣) فلم يبق عليه شيء، وجلس في تبن إلى جانب البيت إلى حلقه مستدفئا به. فمرّ رجل به ينشد ضالَّة، فقال: اللَّهمّ أردد عليه واحفظ علينا. فقال / له الخمّار: نخنت عينك! أيّ شيء يحفظ عليك ربّك؟ قال: هذا التّبن لا تأخذه فأموت من البرد. فضحك الخمّار وردّ عليه ثيابه وقال: اذهب فاطلب ما تشرب به، ولا تجئني بثيابك فإنّي لا أشتريها بعد ذلك.
  لقيه هشام الشرطي وهو سكران فحاوره في سكره:
  قال ابن الكلبيّ: واجتاز الأقيشر برجل يقال له هشام(٤) وكان على شرطة عمرو بن حريث وهو سكران، فدعا به فقال له: أنت سكران؟ قال لا. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: أكلت سفرجلا، ثم قال:
  يقولون لي انكه(٥) شربت مدامة ... فقلت كذبتم بل أكلت سفر جلا
  فضحك منه ثم قال: فإن لم تكن سكران فأخبرني كم تصلَّي في كلّ يوم. فقال:
  يسائلني هشام(٦) عن صلاتي ... صلاة المسلمين فقلت خمس
  صلاة العصر والأولى ثمان ... مواترة فما فيهنّ لبس
  وعند مغيب قرن الشمس وتر ... وشفع بعدها فيهنّ حبس
  وغدوة اثنتان معا جميعا ... ولمّا تبد للرائين شمس
  وبعدهما لوقتهما صلاة ... لنسك بالضّحاء إذا نبسّ(٧)
(١) في «أ، م»: «ودون».
(٢) سمة: علامة.
(٣) الغلق هنا: ضد الفك. وهو يريد هنا حتى صارت حقا للخمار.
(٤) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول» هنا: «هشيم». ولم نهتد لوجه الصواب فيه. وقد ذكر هذا الاسم في هذا الخبر أربع مرات وسننبه على رسمه في كل موضع.
(٥) نكه فلان (من بابي ضرب ومنع): أخرج نفسه إلى أنف آخر، ونكهه (من بابي سمع ومنع) واستنكهه: شم ريح فمه.
(٦) في «كل الأصول» هنا: «هشيم».
(٧) كذا في «ج». وفي «سائر الأصول»: «تبس» بالتاء. وللنبس عدّة معان، ولك منها معناه عمل من أعمال الحياة. ولعله يريد أن