ذكر الأقيشر وأخباره
  قال: فضحك القوم وقالوا: سبحان اللَّه! أيّ شيء تقول؟ فقال: اسمه ونسبه أعظم من أن أقدر على ذكرهما في يوم، فإن شئتم سميته اليوم ونسبته غدا، وإن شئتم نسبته اليوم وسمّيته غدا. قالوا: هات اسمه اليوم. فقال:
  قريظة(١). فقال رجل منهم: ينبغي أن يكون ابن يقظة. فقال الأقيشر: صدقت واللَّه وأصبت، ولقد أثقلني اسمه حين ذكرته أن أقول نعم. فبلغ قريظة(٢) قوله وكان شاعرا فقال:
  لسانك من سكر ثقيل عن التّقى ... ولكنّه بالمخزيات طليق
  وأنت حقيق يا أقيشر أن ترى ... كذاك إذا ما كنت غير مفيق
  تسفّ من الصهباء صرفا تخالها ... جنى النّحل يهديه إليك صديق
  فبلغ الأقيشر قول المحاربيّ وكان يكنى أبا الذيّال، فأجابه فقال:
  عدمت أبا الذيّال من ذي نوالة(٣) ... له في بيوت العاهرات طريق
  / أبا الخمر عيّرت امرأ ليس مقلعا ... وذلك رأيّ لو علمت وثيق
  سأشربها ما دمت حيّا وإن أمت ... ففي النّفس منها زفرة وشهيق
  سمع الرشيد من يتغنى بشعر له في توبته من الخمر فأعجب به:
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
  بلغني أنّ الرشيد سمع ليلة رجلا يغنّي:
  إن كانت الخمر قدعزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
  فقد أباكرها صرفا وأشربها ... أشفي بها غلَّتي صرفا وأمتزج(٤)
  وقد تقوم على رأسي مغنّية ... لها إذا رجّعت في صوتها غنج
  وترفع الصوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الرّوضة الهزج
  قال: فوجّه في أثر الصوت من جاءه بالرجل وهو يرعد، فقال: لا ترع فإنّما أعجبني حسن صوتك. فقال: واللَّه يا أمير المؤمنين ما تغنّيت بهذا الشعر إلَّا وأنا قد تبت من شرب النّبيذ، وهذا شعر يقوله الأقيشر في توبته من النّبيذ.
  فقال له الرشيد: وما حملك على تركه؟ قال: خشية اللَّه. وإنّي فيه يا أمير المؤمنين كما قال زيد بن ظبيان:
  جاؤوا بقاقزّة(٥) صفراء مترعة ... هل بين ذي كبرة والخمر من نسب
= لم نجد «عقالا» في «معجمات اللغة» بمعنى اعتقال اللسان.
(١) في «ج» «قرظة».
(٢) في هذا البيت إقواء.
(٣) كذا في «الأصول»!.
(٤) في «ديوان أبي محجن» (نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية):
فقد أباكرها ريا وأشربها ... صرفا وأطرب أحيانا فأمتزج
وقال شارحه: «أراد فقد باكرتها وشربتها صرفا وربما طربت فمزجتها. وكان ينبغي أن يقول شربتها ممزوجة وربما طربت فأصرفتها. ولما قاله وجه، وهو أنه إذا طرب مزجها لئلا تدخله في السكر. وجاء بلفظ المستقبل وهو يريد الماضي».
(٥) القاقزة: الصغيرة من القوارير (أي الكأس الصغيرة)، ويقال فيها «قاقوزة» و «قازوزة» فارسية معربة.