ذكر الأقيشر وأخباره
  بئس الشّراب شرابا حين تشربه ... يوهي العظام وطورا مفتر العصب
  إنّي أخاف مليكي أن يعذّبني ... وفي العشيرة أن يزري على حسبي
  / فقال له الرشيد: أنت(١) وما اخترت أعلم، فأعد الصوت، فأعاده. وأمر بإحضار المغنّين واستعاده، وأمرهم بأخذه عنه فأخذوه، ووصله وانصرف، وكان صوت الرّشيد أيّاما. هكذا ذكر إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبّة في هذا الخبر أنّ الأبيات للأقيشر، ووجدتها في شعر أبي محجن الثّقفيّ له لمّا تاب من الشّراب.
  خرج لغزو الشأم فباع حماره وأنفق ثمنه في الفجور ثم رجع مع الغازين:
  أخبرني عليّ بن سليمان قال / حدّثنا أبو سعيد عن محمد بن حبيب قال:
  كان القباع(٢)، وهو الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة، قد أخرج الأقيشر مع قومه لقتال أهل الشّأم، ولم يكن عند الأقيشر فرس فخرج على حمار، فلمّا عبر جسر سورا(٣) فوصل لقرية يقال لها قنّين(٤) توارى عند خمّار نبطيّ يبرز زوجته للفجور، فباع حماره وجعل ينفقه هناك ويشرب بثمنه ويفجر إلى أن قفل الجيش، وقال في ذلك:
  خرجت من المصر الحواريّ(٥) أهله ... بلا ندبة فيها احتساب ولا جعل
  إلى جيش أهل الشّأم أغزيت(٦) كارها ... سفاها بلا سيف حديد ولا نبل
  ولكن بترس ليس فيه(٧) حمالة ... ورمح ضعيف الزّجّ متصدع النّصل
  / حباني به ظلم القباع ولم أجد ... سوى أمره والسّير شيئا من الفعل
  فأزمعت أمري ثم أصبحت غازيا ... وسلَّمت تسليم الغزاة على أهلي
  وقلت لعلَّي أن أرى ثمّ راكبا ... على فرس أو ذا متاع على بغل
  جوادي حمار كان حينا لظهره ... إكاف وإشناق(٨) المزادة والحبل
  وقد خان عينيه بياض وخانه ... قوائم سوء حين يزجر في الوحل(٩)
  إذا ما انتحى في الماء والوحل لم ترم ... قوائمه حتّى يؤخّر بالحمل
  أنادي الرّفاق بارك اللَّه فيكم ... رويدكم حتّى أجوز إلى السّهل
(١) الواو هنا بمعنى الباء، أي أنت أعلم بما اخترت.
(٢) راجع في «الأغاني» (ج ١ صفحة ١١٠ من طبعة دار الكتب المصرية) بعض سيرته وسبب تلقيبه بالقباع.
(٣) سورا (بالضم والقصر): قرية بالعراق من أرض بابل، وقد نسبوا إليها الخمر. وسوراء (بالضم والمدّ): موضع قرب بغداد، وقيل هو بغداد نفسها. وقد وردت هذه الكلمة في شعر الأقيشر الآتي ممدودة، فالظاهر أنه يريد الأخيرة، ويحتمل أن يكون أراد الأولى فمدها كما مدّها عبيد اللَّه بن الحر في قوله:
ويوما بسوراء التي عند بابل ... أتاني أخو عجل بذي لجب مجر
(٤) لم نهتد إلى هذه القرية في مظانها.
(٥) أي الصديق أهله.
(٦) في «الأصول»: «أغريت» بالراء المهملة. وهو تصحيف. وأغزاه: حمله على الغزو.
(٧) في «الأصول» «فيها».
(٨) كذا في «الأصول». والذي في كتب اللغة أنه يقال شنق المزادة وأشنقها إذا أوكاها وربطها. والبيت بعد ذلك غير واضح.
(٩) الوحل (بسكون الحاء): لغة قليلة في الوحل (بالتحريك).