أخبار علوية ونسبه
  ادعى أنه لو شاء جعل الغناء كالجوز فرد عليه إسحاق بما أخجله:
  حدّثني جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك قال حدّثني مخارق قال:
  غنّى علَّويه يوما بحضرة الواثق هذا الصوت:
  صوت
  من صاحب الدّهر لم يحمد تصرّفه ... عنا(١) وللدّهر إحلاء وإمرار
  - ولحنه ثقيل أوّل - فاستحسنه الواثق وطرب عليه. فقال علَّويه: واللَّه لو شئت لجعلت الغناء في أيدي الناس أكثر من الجوز، وإسحاق حاضر بين يدي الواثق، فتضاحك ثم قال: يا أبا الحسن، إذا تكون قيمته مثل قيمة الجوز، ليتك إذ قلَّلته(٢) صنعت شيئا، فكيف إذا كثّرته!. فخجل علَّويه حتى كأنّما ألقمه إسحاق حجرا، وما انتفع بنفسه يومئذ.
  ترك موعد المأمون ليذهب إلى عريب ثم غناه بما صنعاه فاستظرفه:
  حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عبد اللَّه بن المعتزّ قال حدّثني عبد اللَّه الهشاميّ قال:
  / قال لي علَّويه: أمرنا المأمون أنّ نباكره لنصطبح، فلقيني عبد اللَّه بن إسماعيل المراكبيّ مولى عريب، فقال:
  أيها الظالم المعتدي أما ترحم ولا ترقّ، عريب هائمة من الشّوق إليك تدعو اللَّه وتستحكمه عليك وتحلم بك في نومها في كلّ ليلة ثلاث مرّات. قال علَّويه: فقلت / أمّ الخلافة زانية، ومضيت معه. فحين دخلت قلت: استوثق من الباب، فأنا أعرف الناس بفضول الحجّاب، فإذا عريب جالسة على كرسيّ تطبخ ثلاث قدور من دجاج. فلمّا رأتني قامت فعانقتني وقبّلتني وقالت: أيّ شيء تشتهي؟ فقلت: قدرا من هذه القدور، فأفرغت قدرا بيني وبينها فأكلنا، ودعت بالنّبيذ فصبّت رطلا فشربت نصفه وسقتني نصفه، فما زلت أشرب حتى كدت أن أسكر. ثم قالت: يا أبا الحسن، غنّيت البارحة في شعر لأبي العتاهية أعجبني، أفتسمعه منّي وتصلحه؟ فغنّت:
  صوت
  عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
  وإنّي لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
  فصيّرناه مجلسا. وقالت: قد بقي فيه شيء، فلم(٣) أزل أنا وهي حتى أصلحناه. ثم قالت: وأحبّ أن تغنّي أنت فيه أيضا لحنا، ففعلت. وجعلنا نشرب على اللَّحنين مليّا. ثم جاء الحجّاب فكسروا الباب واستخرجوني، فدخلت إلى المأمون فأقبلت أرقص من أقصى الإيوان وأصفّق وأغنّي بالصوت، فسمع المأمون والمغنّون ما لم يعرفوه فاستظرفوه، وقال المأمون: ادن يا علَّويه وردّه(٤)، فرددته عليه سبع مرّات. فقال لي في آخرها عند قولي:
  يروق ويصفو إن كدرت عليه
(١) في «ج، ب، س»: «عني». وفي «أ»، م «:» عينا. والظاهر أنه العناء (بالمد) وهو النصب والمشقة، فقصره الشاعر.
(٢) في «الأصول»: «ليتك إذا قلته ... فكيف إذا كسرته» وهو تحريف.
(٣) في «الأصول»: «لم أزل» بدون الفاء.
(٤) يقال: ردّ القول تردادا إذا كرره، مثل ردّده.