كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علوية ونسبه

صفحة 241 - الجزء 11

  فقال: كنت معه لمّا خرج إلى الشأم، فدخلنا دمشق فطفنا بها، وجعل يطوف على قصور بني أميّة ويتّبّع⁣(⁣١) آثارهم، فدخل صحنا من صحونه، فإذا هو مفروش بالرّخام الأخضر كلَّه وفيه بركة ماء يدخلها ويخرج منها من عين تصبّ إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربع⁣(⁣٢) زواياه أربع سروات⁣(⁣٣) كأنّها قصّت بمقراض من التفافها أحسن ما رأيت من السّرو⁣(⁣٤) قطَّ قدّا وقدرا. فاستحسن ذلك، وعزم على الصّبوح، وقال: هاتوا لي الساعة طعاما خفيفا، فأتي ببزماورد⁣(⁣٥) فأكل، ودعا بشراب، وأقبل عليّ وقال: غنّي ونشّطني، فكأنّ اللَّه ø أنساني الغناء كلَّه إلا هذا الصوت:

  لو كان حولي بنو أميّة لم ... تنطق رجال أراهم نطقوا

  فنظر إليّ مغضبا وقال: عليك وعلى بني أميّة لعنة اللَّه! ويلك! أقلت لك سؤني أو سرّني! ألم يكن لك وقت تذكر فيه بين أميّة إلَّا هذا الوقت تعرّض بي!. فتحيّلت عليه وعلمت أني / قد أخطأت⁣(⁣٦)، فقلت: أتلومني على أن أذكر بني أميّة! هذا مولاكم زرياب⁣(⁣٧) عندهم يركب في مائتي غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف / دينار وهبوها له سوى الخيل والضّياع والرّقيق، وأنا عندكم أموت جوعا. فقال أو لم يكن لك شيء تذكَّرني به نفسك غير هذا! فقلت:

  هكذا حضرني حين ذكرتهم فقال: اعدل عن هذا وتنبّه على إرادتي. فأنساني اللَّه كلّ شي أحسنه إلَّا هذا الصوت:

  الحين ساق إلى دمشق ولم أكن ... أرضى دمشق لأهلنا بلدا

  فرماني بالقدح فأخطأني فانكسر القدح، وقال: قم عنّي إلى لعنة اللَّه وحرّ سقر، وقام فركب. فكانت واللَّه تلك الحال آخر عهدي به، حتى مرض ومات⁣(⁣٨). قال: ثم قال لي: يا أبا جعفر كم تراني أحسن! أغنّي ثلاثة آلاف صوت، أربعة آلاف صوت، خمسة آلاف صوت، أنا واللَّه أغنّي أكثر من ذلك، ذهب علم اللَّه كلَّه حتى كأنّي لم أعرف غير ما غنّيت. ولقد ظننت أنه لو كانت لي ألف روح ما نجت منه واحدة منها، ولكنه كان رجلا حليما، وكان في العمر بقيّة.

  نسبة هذين الصوتين المذكورين في الخبر

  صوت

  لو كان حولي بنو أميّة لم ... تنطق رجال أراهم نطقوا


(١) أصله يتتبع (بتاءين)، فأدغمت التاء في التاء.

(٢) في «الأصول»: أربعة زواياه. والتصويب من» مختصر الأغاني.

(٣) السروة: واحدة السرو، وهو ضرب من الشجر حسن الهيئة قويم الساق.

(٤) في «ج، ب، س»: «من السروات».

(٥) في «أكثر الأصول»: «فأتى به بين ماء وورد». وفي «ج»: «فأتى بين ما ورد». والتصويب من «مختصر الأغاني» و «الأغاني» فيما تقدّم (جزء ٤ صفحة ٣٥٣ من هذه الطبعة). والبزماورد: طعام يتخذ من اللحم المقلي بالزبد والبيض. وفي شفاء الغليل: «زماورد معرّب، والعامة تقول بزماورد، وليس بغلط، لأنه [كلمة] فارسية، كما هو مسطور في لغاتهم، وهو الرقاق الملفوف باللحم ...».

(٦) في «ب، س»: «غلطت».

(٧) يريد أن زريابا وهو علي بن نافع المغني مولى بني العباس ذهب إلى الأندلس فأكرمه الأمويون هناك. راجع الحاشية الأولى من صفحة ٣٥٤ جزء ٤ من طبعة دار الكتب.

(٨) الذي في الجزء الرابع أنه غضب عليه عشرين يوما، فكلمه فيه عباس أخو بحر، فرضي عنه ووصله بعشرين ألف درهم.