أخبار علوية ونسبه
  وأرى الغواني لا يواصلن امرأ ... فقد الشّباب وقد يصلن الأمردا
  فدعاه الرشيد وقال له: يا عاضّ بظر أمّه! تغنّي في مدح المرد وذمّ الشّيب وستارتي منصوبة وقد شبت! كأنّك إنّما عرّضت بي! ثم دعا بمسرور فأمره أن يأخذ بيده فيخرجه فيضربه / ثلاثين درّة ولا يردّه إلى مجلسه، ففعل ذلك، ولم ينتفع الرشيد يومئذ بنفسه ولا انتفعنا به بقيّة يومنا، وجفا علَّويه شهرا فلم يأذن له حتّى سألناه فأذن له.
  نسبة هذه الأصوات التي تقدّمت
  صوت
  هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي ... وبالشّباب على شيبي يدلَّان
  كلّ الفعال الَّذي يفعلنه حسن ... يضني فؤادي ويبدي سرّ أشجاني
  بل احذرا صولة من صول شيخكما ... مهلا عن الشّيخ مهلا يا فتاتان
  لم يقع إليّ شاعره. فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو. وفيه لسليمان المصاب رمل كان يغنّيه، فدسّ الرشيد إليه إسحاق حتّى أخذه منه، وقيل: بل دسّ عليه ابن جامع.
  خبر أخذ إسحاق صوتا من سليمان المصاب:
  أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
  دعاني الرشيد لمّا حجّ، فقال: صر إلى موضع كذا وكذا من المدينة؛ فإنّ هناك غلاما مجنونا يغنّي صوتا حسنا، وهو:
  هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي ... وبالشباب علي شيبي يدلَّان
  وله أمّ، فصر إليها وأقم عندها واحتل حتّى تأخذه. فجئت أستدلّ حتّى وقفت على بيتها، فخرجت إليّ فوهبت لها مائتي درهم، وقلت لها: أريد أن تحتالي على ابنك حتّى آخذ منه الصوت الفلانيّ. فقالت: نعم، وأدخلتني دارها، وأمرتني فصعدت إلى عليّة لها، فما لبثت أن جاء ابنها فدخل. فقالت له: يا سليمان فدتك نفسي! أمّك قد أصبحت اليوم خاثرة مغرمة(١)، فأحبّ أن تغنّي ذلك الصوت:
  هما فتاتان لمّا يعرفا خلقي
  فقال لها: ومتى حدث لك هذا الطَّرب؟ قالت: ما طربت ولكنّني أحببت أن أتفرّج من همّ قد لحقني. فاندفع فغنّاه، فما سمعت أحسن من غنائه. فقالت / له أمّه: أحسنت! فديتك! فقد واللَّه كشفت عنّي قطعة من همّي، فأسألك أن تعيده. قال: واللَّه ما لي نشاط، ولا أشتري غمّي بفرحك. فقالت: أعده مرّتين ولك درهم صحيح تشتري به ناطفا(٢). قال: ومن أين لك درهم؟ ومتى حدث لك هذا السخاء؟ فقالت: هذا فضول لا تحتاج إليه وأخرجت إليه درهما فأعطته إيّاه، فأخذه وغنّاه مرّتين، فدار لي وكان يستوي. فأومأت إليها من فوق أن تستزيده. فقالت: يا بنيّ
(١) خاثرة: ثقيلة النفس غير طيبة ولا نشيطة. والمغرمة هنا: المصابة بألم يلازمها ويلح عليها.
(٢) الناطف: ضرب من الحلوى يقال له القبيطي.