أخبار معن بن أوس ونسبه
  كان لمعن بن أوس امرأة يقال لها ثور وكان لها محبّا، وكانت حضريّة نشأت بالشأم، وكانت في معن أعرابيّة ولوثة(١)، فكانت تضحك من عجرفيّته(٢). فسافر إلى الشأم في بعض أعوامه(٣)، فضلَّت الرّفقة عن الطَّريق وعدلوا عن الماء، فطووا منزلهم وساروا يومهم وليلتهم، فسقط فرس معن في وجار ضبّ دخلت يده فيه، فلم يستطع الفرس أن يقوم من شدّة العطش حتى حمله أهل الرّفقة حملا فأنهضوه، وجعل معن يقوده ويقول:
  /
  لو شهدتني(٤) وجوادي ثور ... والرّأس فيه ميل ومور(٥)
  لضحكت حتّى يميل الكور(٦)
  قدم على ابن الزبير بمكة فلم يحسن ضيافته، وأكرمه ابن عباس وابن جعفر فمدحهما وذم ابن الزبير
  أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد الكراني قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:
  قدم معن بن أوس مكة على ابن الزّبير فأنزله دار الضّيفان، وكان ينزلها الغرباء وأبناء / السبيل والضّيفان، فأقام يومه لم يطعم شيئا؛ حتّى إذا كان الليل جاءهم ابن الزّبير بتيس هرم هزيل فقال: كلوا من هذا، وهم نيّف وسبعون رجلا؛ فغضب معن وخرج من عنده، فأتى عبيد اللَّه بن العبّاس، فقراه وحمله وكساه، ثم أتى عبد اللَّه بن جعفر وحدّثه حديثه، فأعطاه حتى أرضاه، وأقام عنده ثلاثا ثم رحل(٧). فقال يهجو ابن الزّبير ويمدح ابن جعفر وابن عبّاس رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين(٨):
  ظللنا بمستنّ(٩) الرّياح غديّة ... إلى أن تعالى اليوم في شرّ محضر
  لدى ابن الزّبير حابسين(١٠) بمنزل ... من الخير والمعروف والرّفد مقفر
  رمانا أبو(١١) بكر وقد طال يومنا ... بتيس من الشّاء الحجازيّ أعفر(١٢)
  وقال اطعموا منه ونحن ثلاثة ... وسبعون إنسانا فيالؤم مخبر
  / فقلت(١٣) له لا تقرنا(١٤) فأمامنا ... جفان ابن عبّاس العلا وابن جعفر
(١) اللوثة (بالضم هنا: الحمق.
(٢) العجرفية والعجرفة هنا: الجفوة في الكلام والخرق في العمل.
(٣) في ف: «في بعض أيامه».
(٤) في ف: «لو أبصرتني».
(٥) المور هنا: الاضطراب والتحرّك.
(٦) الكور هنا: الدور من العمامة يريد الدور مما تلف به رأسها.
(٧) كذا في ط، م. وفي سائر الأصول: «حتى رحل».
(٨) هذه الجملة الدعائية ساقطة من أكثر الأصول الخطية.
(٩) مستن الرياح: مضطربها حيث تهب وتجري.
(١٠) خابسين أي ذوي حبس؛ فالوصف على النسبة؛ والمراد أنهم محبوسون. ونحوه قول الحصين بن الحمام:
مواليكم مولى الولادة منهم ... ومولى اليمين حابس قد تقسّما
راجع «شرح الحماسة» للتبريزي (صفحة ١٨٧ طبعة أوروبا).
(١١) أبو بكر: كنية عبد اللَّه بن الزبير.
(١٢) أعفر: أغبر، لونه لون العفر وهو التراب.
(١٣) كذا في ط، م، ح، ف. وفي سائر الأصول: «فقلنا».
(١٤) كذا في ف. وفي سائر الأصول: «لا تقربن» وهي مصحفة عن «لا تقرين».