كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مروان الأصغر

صفحة 325 - الجزء 12

  الرّجال وحيلة النساء. فقال له المتوكل: هذا أيضا من / عيك وبردك، إن كان عندك شيء فهاته؛ فلم يأت بشيء.

  فقال لمروان: بحياتي إن حضرك شيء فهاته، ولا تقصّر في / شتمك. فقال مروان:

  لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر ... وهذا عليّ بعده يدّعي الشّعراء

  ولكن أبي قد كان جارا لأمّه ... فلمّ أدّعى الأشعار أوهمني أمرا

  قال: فضحك [المتوكل] وقال: زده بحياتي. فقال فيه:

  يا بن بدر يا عليّه ... قلت إنّي قرشيّه

  قلت ما ليس بحقّ ... فاسكتي يا نبطيّه

  اسكتي يا بنت جهم ... اسكتي يا حلقيّه⁣(⁣١)

  فأخذ عبّادة هذه الأبيات فغنّاها على الطَّبل وجاوبه من كان يغنّي، والمتوكل يضحك ويضرب بيديه ورجليه، وعليّ مطرق كأنّه ميّت، ثم قال: عليّ بالدواة فأتي بها، فكتب:

  بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين

  يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون

  قال علي بن الجهم شعرا في حبسه، فعارضه فلم يطلقوه

  أخبرني عليّ بن العبّاس بن أبي طلحة قال حدّثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدّثني محمد بن السّريّ قال:

  لمّا مدح عليّ بن الجهم وهو محبوس المتوكل بقوله

  توكَّلنا على ربّ السماء ... وسلمنا لأسباب القضاء

  / وذكر فيها جميع النّدماء وسبعهم⁣(⁣٢) وهجاهم، انتدب له مروان بن أبي الجنوب فعارضه فيها، وقد كان المتوكل رقّ له، فلما أنشده مروان هذه القصيدة اعتورته ألسنة الجلساء فثلبوه واغتابوه وضربوا عليه، فتركه في محبسه. والقصيدة⁣(⁣٣):

  ألم تعلم بأنّك يا بن جهم ... دعيّ في أناس أدعياء

  أعبد اللَّه تهجو وابن عمر ... وبختيشوع أصحاب الوفاء

  هجوت الأكرمين وأنت كلب ... حقيق بالشّتيمة والهجاء

  أترمي بالزّناء بني حلال ... وأنت زنيم⁣(⁣٤) أولاد الزّناء

  أسامة من جدودك يا بن جهم! ... كذبت وما بذلك من خفاء


(١) يقال أتان حلقية، إذا تداولها الحمر فأصابها داء في رحمها؛ ومنه الحلاق (بالضم) في الأتان، وهو ألا تشبع من السفاد.

(٢) سبعه: شتمه ووقع فيه.

(٣) في ح، ب، س: «والقصيدة قوله».

(٤) الزنيم: المستلحق في قوم ليس منهم، والدعي، واللئيم المعروف بلؤمه أو شره.