أخبار متفرقة
  / قال: ولصوته دويّ في تلك الجبال. فقال ابن سريج: ويلك يا بن بركة! أسمعت أحسن من هذا الغناء والشعر قطَّ؟ قال: ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يسحبون أعطافهم، وجعلوا يقبّلون وجه ابن سريج. فنزل فأقام عندهم ثلاثا والغريض لا ينطق بحرف [واحد](١)، وأخذوا في شرابهم وقالوا: يا حبيب النفس وشقيقها أعطها بعض مناها؛ فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضرابا، ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره، فما رأيت يدا أحسن من يده، ولا خشبة تخيّلت إليّ أنّها جوهرة إلَّا هي، ثم ضرب فلقد سبّح القوم جميعا ثم غنّى فكلّ قال: لبّيك لبّيك! فكان مما غنّى فيه - واللحن له هزج -:
  صوت
  لبّيك يا سيّدتي ... لبّيك ألفا عددا
  لبّيك من ظالمة ... أحببتها مجتهدا
  قوموا إلى ملعبنا ... نحك الجواري الخرّدا ضوضع يد فوق يد ... ترفعها يدا يدا
  فكلّ قال: نفعل ذاك. فلقد رأيتنا نستبق أينّا تقع يده على يده. ثم غنّى:
  صوت
  ما هاج شوقك بالصّرائم ... ربع أحال(٢) لأمّ عاصم
  ربع تقادم عهده ... هاج المحبّ على التّقادم
  فيه النّواعم والشّبا ... ب الناعمون مع النّواعم
  من كل واضحة الجبي ... ن عميمة(٣) ريّا المعاصم
  / ثم إنه غنّى:
  صوت
  شجانيّ(٤) مغاني الحيّ وانشقّت العصا(٥) ... وصاح غراب البين أنت مريض
  ففاضت دموعي عند ذاك صبابة ... وفيهن خود كالمهاة غضيض(٦)
  وولَّيت محزون الفؤاد مروّعا ... كتيبا ودمعي في الرّداء يفيض
  - الغناء لابن محرز خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وفيه خفيف ثقيل آخر لابن جندب - قال: فلقد
(١) زيادة في ف.
(٢) أحال الشيء: مر عليه حول، مثل أحول الشيء.
(٣) امرأة عميمة: تامة القوام والخلق طويلة.
(٤) في ف: «شجاك».
(٥) انشقاق العصا: كناية عن الفرقة.
(٦) الخود من النساء: الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة. والغضيض: الفاترة الطرف. يقال: امرأة غضيض، وطرف غضيض.