كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار العرجي ونسبه

صفحة 306 - الجزء 1

  كان العرجيّ يستقي على إبله في شملتين⁣(⁣١)، ثم يغتسل ويلبس حلَّتين بخمسمائة دينار، ثم يقول:

  يوما لأصحابي ويوما للمال ... مدرعة⁣(⁣٢) يوما ويوما سربال⁣(⁣٣)

  أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجاله: أنّ العرجيّ كان غازيا فأصابت الناس مجاعة، فقال للتجار: أعطوا الناس وعليّ ما تعطون، فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا⁣(⁣٤)، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار، فألزمها⁣(⁣٥) العرجيّ نفسه. وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال: بيت المال أحقّ بهذا، فقضى التّجّار ذلك المال من بيت المال.

  العرجيّ وأم الأوقص وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري⁣(⁣٦) وغيره:

  أنّ العرجيّ خرج إلى جنبات⁣(⁣٧) / الطائف متنزّها⁣(⁣٨)، فمرّ ببطن النّقيع⁣(⁣٩) فنظر إلى أمّ الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ القاضي، وكان يتعرّض لها، فإذا رآها رمت بنفسها وتستّرت منه، وهي امرأة من بني تميم، فبصر بها في نسوة جالسة وهنّ يتحدّثن، فعرفها وأحبّ أن يتأملَّها من قرب، فعدل عنها ولقي أعرابيّا من بني نصر على بكر له ومعه وطبا⁣(⁣١٠) لبن، فدفع إليه دابّته وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه، ثم أقبل على النسوة فصحن به: يا أعرابيّ، أمعك لبن؟ قال: نعم، ومال إليهنّ وجلس يتأمّل أمّ الأوقص، وتواثب من معها إلى الوطبين، وجعل العرجيّ يلحظها وينظر أحيانا إلى الأرض كأنه يطلب شيئا وهنّ يشربن من اللَّبن. فقالت له امرأة منهنّ: أيّ شيء تطلب يا أعرابيّ في الأرض؟ أضاع منك شيء؟ قال: نعم قلبي. فلمّا سمعت التّميميّة كلامه نظرت


(١) الشملة: كساء مخمل دون القطيفة يشتمل به. قال أبو منصور: الشملة عند العرب: مئزر من صوف أو شعر يؤتزر به، فإذا لفّق لفقين فهي مشملة يشتمل بها الرجل إذا نام بالليل.

(٢) قال في «اللسان»: والمدرع: ضرب من الثياب التي تلبس، وقيل جبة مشقوقة المقدم. والمدرعة: ثوب آخر ولا تكون إلا من الصوف خاصة.

(٣) السربال: القميص أو الدرع، وقيل: كل ما لبس فهو سربال.

(٤) في ح: «حتى أحصى».

(٥) في ح: «فالتزمها العرجيّ». وفي ب: «فالتزمها العرجيّ نفسه».

(٦) كذا في ب، س. وفي ح: «الزبير». وفي سائر النسخ: «الزهري».

(٧) جنبات: جمع جنبة وهي الناحية.

(٨) قال ابن سيده: تنزه الانسان: خرج إلى الأرض النزهة (وهي الأرض البعيدة النائية من الأنداء والمياه والغمق). قال: والعامة يضعون الشيء في غير موضعه ويغلطون فيقولون: خرجنا نتنزه، إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التنزه الخروج إلى البساتين والخضر والرياض، وإنما التنزه: التباعد عن الأرياف والمياه حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس، وذلك شق البادية، ومنه قيل: فلان يتنزه عن الأقذار وينزه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها. قال المرتضى: قال شيخنا نقلا عن الشهاب: لا يخفى أن العادة كون البساتين في خارج القرى غالبا، ولا شك إن الخروج إليها تباعد. (راجع «لسان العرب» و «شرح القاموس» مادّة نزه).

(٩) كذا في معاهد التنصيص طبع بولاق في ترجمة العرجيّ ص ٤٢٢، والنقيع كما في «القاموس»: موضع بجنبات الطائف. وفي الأصول: «البقيع» بالباء وهو تصحيف.

(١٠) الوطب: سقاء اللبن.