كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن أمية وأخيه علي

صفحة 374 - الجزء 12

  كنت عند إبراهيم بن المهديّ، وقد اصطبحنا⁣(⁣١) وعنده عمرو بن بانة، وعبيد اللَّه بن أبي غسان، ومحمد بن عمرو الرومي، وعمرو الغزّال، ونحن في أطيب ما كنا عليه إذ غنّى عمرو الغزّال، وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله، إلا أنه كان يتخفّف بين يديه ويقصده، ويبلغه عنه تقديم له وعصبيّة، فكان يحتمل ذاك منه، فاندفع عمرو الغزال، فتغنّى في شعر محمد بن أمية:

  ما تمّ لي يوم سرور بمن ... أهواه مذ كنت إلى اللَّيل

  / أغبط ما كنت بما نلته ... منه أتتني الرسل بالويل

  لا والَّذي يعلم كلّ الذي ... أقول ذي العزّة والطَّول

  ما رمت مذ كنت لكم سخطة ... بالغيب في فعل ولا قول

  قال: فتطيّر إبراهيم، ووضع القدح من يده، وقال: أعوذ باللَّه من شر ما قلت. فو اللَّه ما سكت - وأخذنا نتلافى إبراهيم - إذ أتى حاجبه يعدو فقال: مالك⁣(⁣٢)؟ فقال: خرج الساعة مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل إلى جعفر بن يحيى، فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه وقبض على أبيه وإخوته⁣(⁣٣). فقال إبراهيم: {إِنَّا لِلَّه ِ وإِنَّا إِلَيْه ِ راجِعُونَ} ارفع يا غلام ارفع. فرفع ما كان بين أيدينا، وتفرقنا فما رأيت عمرا بعدها في داره.

  كان يستطيب الشراب عند هبوب الجنوب

  أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب قال حدّثني محمد بن يحيى بن بسخنّر قال:

  كنت عند إبراهيم بن المهدي بالرّقّة وقد عزمنا على الشراب ومعنا محمد بن أميّة في يوم من حزيران، فلما هممنا بذلك هبّت الجنوب، وتلطَّخت السماء بغيم، وتكدّر ذلك اليوم، فترك إبراهيم بن المهدي الشّرب ولحقه صداع، وكان يناله ذلك مع هبوب الجنوب، فافترقنا؛ فقال لي محمّد بن أمية: ما أحبّ إليّ ما كرهتموه من الجنوب! فإن أنشدتك بيتين مليحين في معناهما تساعدني على الشرب اليوم؟ قلت: نعم. فأنشدني:

  إنّ الجنوب إذا هبّت وجدت لها ... طيبا يذكَّرني الفردوس إن نفحا

  لمّا أتت بنسيم منك أعرفه ... شوقا تنفّست واستقبلتها فرحا

  فانصرفت معه إلى منزله، وغنّيت في هذين البيتين وشربنا عليهما بقية يومنا.

  ما قاله في تفاحة أهدتها إليه خداع

  وجدت في بعض الكتب بغير إسناد: أهدت جارية يقال لها خداع إلى محمد بن أميّة - وكان يهواها - تفاحة مفلَّجة⁣(⁣٤) منقوشة مطيّبة حسنة، فكتب إليها محمد:

  خداع أهديت لنا خدعة ... تفّاحة طيّبة النّشر


(١) اصطبحنا: شربنا الصبوح.

(٢) في ف: «ما الخبر».

(٣) في ف: «وإخوته وأهله».

(٤) مفلجة: مقسمة.