أخبار محمد بن أمية وأخيه علي
  عاد وليست معه وقال: أخذوا مني الدراهم ثم ردوها عليّ، ورأيتهم مختلطين، ولهم قصة لم يعرّفونيها، وقالوا:
  ليست هاهنا فإن عادت بعثنا بها إليكم. فتنغّص عليه يومه وتغيّر وجهه وتجمّل لنا؛ ثم بكرنا من غد بأجمعنا إلى منزل مولاها فإذا هي قد بيعت، فوجم طويلا(١)، وسار حتى إذا خلا لنا الطريق اندفع باكيا. فما أنسى حرقة بكائه وهو ينشدني:
  تخطَّى إليّ الدهر من بين من أرى ... وسوء مقادير لهنّ شؤون
  فشتّت شملي دون كلّ أخي هوى ... وأقصدني(٢) بل كلَّهم سيبين
  ومهما تكن من ضحكة بعد فقدها ... فإنّي وإن أظهرتها لحزين
  سلام على أيّامنا قبل هذه ... إذ الدار دار والسرور فنون
  / قال: ومضت على ذلك مدّة. ثم أخبرني أنه اجتاز بها، وهي تنظر من وراء شبّاك، فسلَّم عليها فأومأت بالسلام إليه ودخلت، فقال:
  تطالعني على وجل خداع ... من الشّبك التي عملت حديدا
  مطالعتي، قفي باللَّه حتّى ... أزوّد مقلتي نظرا جديدا
  فقالت إن سها الواشون عنّا ... رجونا أن تعود وأن نعودا
  وأنشدني أيضا في ذلك:
  صوت
  يا صاحب الشّبك الذي اس ... تخفى، مكانك غير خاف
  أفما رأيت تلدّدي ... بفناء قصرك واختلافي(٣)
  أو ما رحمت تخشّعي(٤) ... وتلفّتي بعد انصرافي
  صوت
  إنّ(٥) الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
  وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى سير الركاب وأجنب
  ويكون مركبك القعود وحدجه(٦) ... وابن النّعامة يوم ذلك مركبي
(١) في ف: «قليلا».
(٢) أقصدني: طعنني ولم يخطئني.
(٣) تلددي: مكثي ووقوفي. واختلافي: ترددي.
(٤) تخشعي: تضرعي.
(٥) هذا الشعر وما يليه حتى أوّل ترجمة المتوكل وأخباره ساقط من نسختي ط، م.
(٦) الحدج (بالكسر): مركب من مراكب النساء نحو الهودج.