خبر كثير وخندق الأسدي
  شعره(١) أحبّ إليّ من مائة ألف درهم. قال: فقلت: هو ذاك الراكب أمامك(٢)، وأنا السائب راويته. قالت: حياك اللَّه تعالى. ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت: أنت كثيّر؟ قال: مالك ويلك! فقالت: أنت الذي تقول:
  إذا حسرت عنه العمامة راعها ... جميل المحيّا أغفلته الدواهن
  واللَّه ما رأيت عربيا قطَّ أقبح ولا أحقر ولا ألأم منك. قال: أنت واللَّه أقبح مني وألأم. قالت له: أولست القائل:
  /
  تراهنّ إلا أن يؤدّين نظرة ... بمؤخر عين أو يقلبن معصما
  كواظم ما ينطقن إلا محورة ... رجيعة قول بعد أن يتفهّما(٣)
  يحاذرن مني غيرة قد عرفنها ... قديما فما يضحكن إلا تبسّما
  لعن اللَّه من يفرق(٤) منك. قال: بل لعنك اللَّه. قالت: أولست الذي تقول:
  إذا ضمريّة عطست فنكها ... فإن عطاسها طرف الوداق(٥)
  قال: من أنت؟ قالت: لا يضرّك أن لم تعرفني ولا من أنا. قال: واللَّه إني لأراك لئيمة الأصل والعشيرة.
  قالت: حيّاك اللَّه يا أبا صخر! ما كان بالمدينة رجل أحبّ إليّ وجها ولا لقاء منك. قال: لا حياك اللَّه، واللَّه ما(٦) كان على الأرض أحد أبغض إليّ وجها منك. قالت: أتعرفني؟ قال: أعرف أنك لئيمة من اللئام. فتعرّفت إليه فإذا هي غاضرة أمّ ولد لبشر بن مروان. قال: وسايرها حتى سندنا(٧) في الجبل من قبل زرود(٨). فقالت له: يا أبا صخر، أضمن لك مائة ألف درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه. قال: أفي سّبك إياي أو سبّي إياك تضمنين لي هذا؟ واللَّه لا أخرج إلى العراق على هذه الحال! فلما قامت تودّعه سفرت، فإذا هي أحسن من رأيت من أهل الدنيا وجها. فأمرت له بعشرة آلاف درهم، فبعد شدّ(٩) ما قبلها وأمرت(١٠) لي بخمسة آلاف درهم. فلما ولَّوا قال: يا سائب أين نعنّي أنفسنا إلى عكرمة، انطلق بنا نأكل / هذه حتى يأتينا الموت. قال: وذلك قوله لما فارقتنا:
  /
  شجا أظعان غاضرة الغوادي ... بغير(١١) مشيئة عرضا فؤادي
(١) في ج: «شعرا».
(٢) في ف: «هو واللَّه ذلك الراكب أمامك».
(٣) المحورة: الجواب، يريد أنهن لا ينطقن إلا بعد أن يسألن.
(٤) يفرق: يخاف.
(٥) الوداق في كل ذات حافر: الغلمة.
(٦) كذا في ف وفي سائر النسخ: «ولكن ما».
(٧) سندنا: علونا.
(٨) زرود: اسم جبل.
(٩) في ب، س، ج: «سيرما».
(١٠) في ف: «له».
(١١) في ط: «بغير مشية» بالتسهيل. وفي ف: حذف الشطر الثاني من البيت.