كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر

صفحة 415 - الجزء 12

  أن يأذن لك؛ فقال: لا واللَّه لا ألزمها غيرك أنجحت أو أكدت⁣(⁣١)، فلما بلغ ذلك الحجاج قال: ما له عندي شيء، فأبلغه ذلك؛ قال: وما عليك أن تكون أنت الذي توئسه فإنه قد أبى، فأذن / له فلمّا رآه قال: أعهدتني خائنا لا أبا لك! قال: أنت سيد هوازن، وقد بدأنا بك، وأنت أمير العراقين⁣(⁣٢)، وابن عظيم القريتين⁣(⁣٣)، وعمالتك في كل سنة خمسمائة ألف درهم، وما بك بعدها حاجة إلى خيانة⁣(⁣٤)؛ فقال: أشهد أن اللَّه تعالى وفّقك، وأنّك نظرت بنور اللَّه، فإذا صدقت فلك نصفها العام، فأعطاه وادّوا البقية.

  تنسك وخرج إلى الحج في زي عجيب

  قال: ثم تأله⁣(⁣٥) الجحاف / بعد ذلك، واستأذن في الحج، فأذن له، فخرج في المشيخة الذين شهدوا معه، قد لبسوا الصوف وأحرموا، وأبروا أنوفهم أي خزموها وجعلوا فيها البرى⁣(⁣٦)، ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة ومكة جعل الناس يخرجون فينظرون إليهم، ويعجبون منهم. قال: وسمع ابن عمر الجحاف وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهم اغفر لي وما أراك تفعل! فقال له ابن عمر: يا هذا، لو كنت الجحاف ما زدت على هذا القول؛ قال:

  فأنا الجحاف، فسكت. وسمعه محمد بن عليّ بن أبي طالب #، وهو يقول ذلك؛ فقال: يا عبد اللَّه، قنوطك من عفو اللَّه أعظم من ذنبك! قال عمر بن شّبة في خبره: كان مولد الجحّاف بالبصرة.

  دخل على عبد الملك بعد أن أمنه فأنشده شعرا

  قال عبد اللَّه بن إسحاق النحويّ: كان الجحاف معي في الكتّاب، قال أبو زيد في خبره أيضا: ولما أمّنه عبد الملك دخل عليه في جبّة صوف، فلبث قائما، فقال له عبد الملك: أنشدني بعض ما قلت في غزوتك هذه وفجرتك، فأنشده قوله:

  صبرت سليم للطعان وعامر ... وإذا جزعنا لم نجد من يصبر

  فقال له عبد الملك بن مروان: كذبت، ما أكثر من يصبر! ثم أنشده:

  نحن الذين إذا علوا لم يفخروا ... يوم اللقا وإذا علوا لم يضجروا

  فقال عبد الملك: صدقت، حدّثني أبي عن أبي سفيان بن حرب أنكم كنتم كما وصفت يوم فتح مكة.

  عود إلى قصة يوم البشر

  حدّثت عن الدمشقيّ عن الزبير بن بكار، وأخبرني، وكيع عن عبد اللَّه بن شبيب عن الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز بن مروان:


(١) أكدى: أصله من أكدى الحافر: إذا حفر فبلغ الكدية وهي الصخرة فانقطع عن الحفر.

(٢) العرافان: الكوفة والبصرة.

(٣) القريتان: مكة والطائف.

(٤) كذا في ف، وفي معظم الأصول «وما بك بعدها إلى خيانة فقر».

(٥) تأله: تعبد وتنسك.

(٦) البرى: جمع بردّ، وهي الحلقة في أنف البعير.