كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر

صفحة 416 - الجزء 12

  أنه حضر الجحاف عند عبد الملك بن مروان يوما والأخطل حاضر في مجلسه ينشد:

  ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيب من سليم وعامر

  / قال: فتقبّض وجهه في وجه الأخطل. ثم إن الأخطل لمّا قال له ذلك قال له:

  نعم سوف نبكيهم بكل مهنّد ... ونبكي عميرا بالرماح الخواطر⁣(⁣١)

  ثم قال: ظننت أنك يا بن النصرانية لم تكن تجترئ عليّ ولو رأيتني لك مأسورا. وأوعده، فما برح الأخطل حتى حمّ، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه؛ قال: هذا أجرتني منه يقظان، فمن يجيرني منه نائما؟ قال: فجعل عبد الملك يضحك. قال: فأمّا قول الأخطل:

  ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر

  فإنه يعني اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير بن الحباب السّلميّ.

  وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني أبو سعيد السكريّ عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة عن ابن الأعرابيّ عن المفضل:

  أن قيسا وتغلب تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع منذ ابتداء الحرب بمرج راهط، فكانوا يتغاورون⁣(⁣٢).

  وكانت بنو مالك بن بكر جامعة / بالتوباذ وما حوله، وجلبت إليها طوائف تغلب وجميع بطونها، إلا أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلافهم من النّمر بن قاسط. وحشدت بكر فلم يأت الجمع منهم على قدر عددهم. وكانت تغلب بدوا بالجزيرة لا حاضرة لها إلا قليل بالكوفة، وكانت حاضرة الجزيرة لقيس وقضاعة وأخلاط مضر، ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب، وأرسلت تغلب إلى مهاجريها وهم بأذربيجان، فأتاهم شعيب بن مليل في ألفي فارس.

  واستنصر عمير تميما وأسدا فلم يأته منهم أحد؛ فقال:

  أيا أخوينا من تميم هديتما ... ومن أسد هل تسمعان المناديا

  ألم تعلما مذ جاء بكر بن وائل ... وتغلب ألفافا تهزّ العواليا

  / إلى قومكم قد تعلمون مكانهم ... وهم قرب أدنى حاضرين وباديا

  وكان من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائل المجشّر بن الحارث بن عامر بن مرّة بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثير من بني أبي ربيعة. وفي ذلك يقول تميم بن الحباب بعد يوم الحشّاك.

  فإن تحتجز بالماء بكر بن وائل ... بني عمّنا فالدهر ذو متغيّر

  فسوف نخيض⁣(⁣٣) الماء أو سوف نلتقي ... فنقتصّ من أبناء عم المجشّر

  وأتاهم زمام بن مالك بن الحصين من بني عمرو بن هاشم⁣(⁣٤) بن مرّة في جمع كبير فشهدوا يوم الثرثار، فقتل.


(١) خطر الرمح: اهتز فهو خاطر والجمع خواطر.

(٢) يتغاورون: يغير بعضهم على بعض.

(٣) أخاضه في الماء: جعله يخوضه.

(٤) في ف: «عمرو بن همام».