خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر
  وكان فيمن أتاهم من العراق من بكر بن وائل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان، ورهصة بن النعمان بن سويد بن خالد من بني أسعد(١) بن همّام، فلذلك تحامل المصعب بن الزبير على أبان بن زياد أخي عبيد اللَّه بن زياد فقتله. وفي هذا السبب كانت فرقة عبيد اللَّه لمصعب، وجمعت تغلب فأكثرت فلما أتى عميرا كثرة من أتى من بني تغلب وأبطأ عنه أصحابه قال يستبطئهم:
  أناديهم وقد خذلت كلاب ... وحولي من ربيعة كالجبال
  أقاتلهم بحيّ بني سليم ... ويعصر كالمصاعيب النّهال(٢)
  فدى لفوارس الثرثار قومي ... وما جمّعت من أهلي ومالي
  فإمّا أمس قد حانت وفاتي ... فقد فارقت أعصر غير قال
  / أبعد فوارس الثرثار أرجو ... ثراء المال أو عدد الرجال!
  ثم زحف العسكران، فأتت قيس وتغلب الثرثار، بين رأس الأثيل والكحيل، فشاهدوا القتال يوم الخميس.
  وكان شعيب بن مليل وثعلبة بن نياط التغلبيان قدما في ألفي فارس في الحديد، فعبروا على قرية يقال لها لبّى(٣) على شاطئ دجلة بين تكريت وبين الموصل، ثم توجهوا إلى الثرثار، فنظر شعيب إلى دواخن(٤) قيس، فقال لثعلبة بن نياط: سر بنا إليهم، فقال له: الرأي أن نسير إلى جماعة قومنا فيكون مقاتلنا واحدا، فقال شعيب: واللَّه لا تحدّث تغلب أني نظرت إلى دواخنهم ثم انصرفت عنهم، فأرسل ناسا من أصحابه قدّامه وعمير يقاتل / بني تغلب. وذلك يوم الخميس، وعلى تغلب حنظلة بن هوبر، أحد بني كنانة بن تميم، فجاء رجل من أصحاب عمير إليه فأخبره أن طلائع شعيب قد أتته، وأنه قد عدل إليه، فقال عمير لأصحابه: أكفوني قتال ابن هوبر، ومضى هو في جماعة من أصحابه، فأخذ الذين قدمهم شعيب، فقتلهم كلَّهم غير رجل من بني كعب بن زهير يقال له: قتب بن عبيد، فقال عمير: يا قتب، أخبرني ما وراءك؟ قال؛ قد أتاك شعيب بن مليل في أصحابه. وفارق ثعلبة بن نياط شعيبا، فمضى إلى حنظلة بن هوبر، فقاتل معه القيسيّة، فقتل، فالتقى عمير وشعيب فاقتتلوا قتالا شديدا، فما صلَّيت العصر حتى قتل شعيب وأصحابه أجمعون، وقطعت رجل شعيب يومئذ، فجعل يقاتل القوم وهو يقول:
  قد علمت قيس ونحن نعلم ... أن الفتى يفتك وهو أجذم(٥)
  فلما قتل شعيب نزل أصحابه، فعقروا دوابّهم، ثم قاتلوا حتى قتلوا، فلما رآه عمير قتيلا قال: من سرّه أن ينظر إلى الأسد عقيرا فها هو ذا. وجعلت تغلب يومئذ ترتجز وتقاتل وهي تقول:
(١) في ب، س «أسد»، وما أثبتناه عن باقي الأصول.
(٢) يعصر أو أعصر: قبيلة من قيس عيلان. وجمال مصاعب ومصاعيب: جمع مصعب (كمكرم): وهو الفحل الذي يترك من الركوب والعمل للفحلة، ونهل البعير كفرح: شرب حتى روي، وعطش: ضدّ، فهو ناهل وجمعه نهال، كنائم ونيام، ونهلان جمع نهال أيضا كعطشان وعطاش.
(٣) كذا في ف؛ وهو الصحيح، وفي سائر النسخ: «أبا» تحريف.
(٤) الدواخن: جمع داخنة، وهي المدخنة.
(٥) أجذم: أقطع.