كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عبد الله بن معاوية ونسبه

صفحة 432 - الجزء 12

  وجه إليه مروان بن محمد جيشا لمحاربته بقيادة ابن ضبارة

  فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار، فوجّه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية أصحابه وحضهم على الخروج إليه، فلم يفعلوا ولا أجابوه، فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخرسان - وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر ابن سيار - فلما صار في بعض الطريق نزل على رجل من التّنّاء⁣(⁣١) ذي مروءة ونعمة وجاه⁣(⁣٢)، فسأله معونته، فقال له: من أنت من ولد رسول اللَّه ؟ أأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخرسان؟

  قال: لا، قال فلا حاجة لي في نصرتك.

  التجأ إلى أبي مسلم فحبسه

  فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته، فأخذه أبو مسلم وحبسه عنده، وجعل عليه عينا يرفع إليه أخباره، فرفع إليه أنه يقول: ليس في الأرض أحمق منكم يأهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه، واللَّه ما رضيت الملائكة الكرام من اللَّه تعالى بهذا حتى راجعته في أمر آدم #، فقالت: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ}. حتى قال لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}.

  كتابه إلى أبي مسلم وهو في حبسه

  ثم كتب إليه عبد اللَّه بن معاوية رسالته المشهورة التي يقول فيها: «إلى أبي مسلم، من الأسير في يديه، بلا ذنب إليه⁣(⁣٣) ولا خلاف عليه. أما بعد، فإنك مستودع ودائع، ومولى صنائع؛ وإنّ الودائع مرعيّة، وإن الصنائع / عاريّة؛ فاذكر القصاص، واطلب الخلاص؛ ونبّه للفكر قلبك، واتق اللَّه ربّك؛ وآثر ما يلقاك غدا على ما لا يلقاك أبدا؛ فإنك لاق أما سلفت، وغير لاق ما خلَّفت؛ وفقك اللَّه لما ينجيك، وآتاك شكر ما يبليك⁣(⁣٤)».

  قتله أبو مسلم ووجه برأسه إلى ابن ضبارة

  قال: فلما قرأ كتابه رمى به. ثم قال: قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو محبوس في أيدينا، فلو خرج وملك أمرنا لأهلكنا، ثم أمضى تدبيره في قتله. وقال آخرون: بل دسّ إليه سّما فمات منه، ووجّه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان، فأخبرني عمر بن عبد اللَّه العتكيّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا محمد بن يحيى أنّ عبد العزيز بن عمران حدّثه عن عبد اللَّه بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم الزاب وهو يقاتل عبد اللَّه بن عليّ، فسأل عنه فقيل له: هو الشابّ المصفرّ الذي كان يسبّ عبد اللَّه بن معاوية يوم جيء برأسه إليك فقال: واللَّه لقد هممت بقتله مرارا، كلّ ذلك يحال بيني وبينه، {وكانَ أَمْرُ أللهِ قَدَراً مَقْدُوراً}.


(١) التناء جمع تانئ: وهو الدهقان؛ زعيم فلاحي العجم، أو رئيس الإقليم.

(٢) كذا في ف، وفي سائر الأصول: «وجاءه».

(٣) كذا في ف، وفي سائر الأصول: «بلا ذنب ولا خلاف عليه».

(٤) الإبلاء هنا: الإنعام والإحسان.