أخبار عقيل بن علفة
  خبره مع يحيى بن الحكم أمير المدينة وزواج ابنته
  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ قال حدّثني عمي عن عبد اللَّه بن مصعب قاضي المدينة قال:
  دخل عقيل بن علَّفة على يحيى بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة. فقال له يحيى: أنكح ابن خالي - يعني ابن أوفى - فلانة ابنتك؟ فقال: إن ابن خالك ليرضى مني بدون ذلك، قال: وما هو؟ قال: أن أكفّ عنه سنن(١) الخيل إذا غشيت سوامه(٢). فقال يحيى لحرسيّين بين يديه: أخرجاه. فأخرجاه، فلما ولَّى قال: أعيداه إليّ، فأعاداه، فقال عقيل له: مالك تكرّني إكرار الناضح(٣)؟ قال: أما واللَّه إني لأكرك أعرج جافيا. فقال عقيل: كذلك قلت:
  /
  تعجّبت إذ رأت رأسي تجلَّله ... من الروائع شيب ليس من كبر
  / ومن أديم تولَّى بعد جدّته ... والجفن يخلق فيه الصّارم الذكر(٤)
  فقال له يحيى، أنشدني قصيدتك، هذه كلها. قال: ما انتهيت إلَّا إلى ما سمعت. فقال: أما واللَّه إنك لتقول فتقصّر، فقال: إنّما يكفي من القلادة ما أحاط بالرقبة. قال: فأنكحني أنا إحدى بناتك. قال: أمّا أنت فنعم. قال:
  أما واللَّه لأملأنّك مالا وشرفا. قال: أما الشّرف فقد حمّلت ركائبي منه ما أطاقت، وكلفتها تجشّم ما لم تطق، ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلاح الأيّم ورضا الأبيّ. فزوّجه ثم خرج فهداها إليه، فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاة له انتظر إليها، فجاءتها فجعلت تغمز عضدها. فرفعت يدها، فدقّت أنفها. فرجعت إلى يحيى وقالت: بعثتني إلى أعرابية مجنونة صنعت بي ما ترى! فنهض إليها يحيى، فقال لها: مالك؟ قالت: ما أردت أن بعثت إليّ أمة تنظر إليّ! ما أردت بما فعلت إلا أن يكون نظرك إلي قبل كلّ ناظر، فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت إلى بهجته، وإن رأيت قبيحا كنت أحق من ستره. فسرّ بقولها وحظيت عنده.
  وذكر المدائني هذا الخبر مثله، إلا أنه قال فيه: فإن كان ما تراه حسنا كنت أول من رآه، وإن كان قبيحا كنت أوّل من واراه.
  زواج يزيد بن عبد الملك ابنته الجرباء
  أخبرني ابن دريد قال حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال:
  خطب يزيد بن عبد الملك إلى عقيل بن علَّفة ابنته الجرباء، فقال له عقيل: قد زوّجتكها، على أن لا يزّفها إليك إعلاجك(٥)؛ أكون أنا الذي أجيء بها إليك.
  / قال: ذلك لك. فتزوّجها، ومكثوا ما شاء اللَّه. ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له: بالباب أعرابيّ على بعير، معه امرأة في هودج قال: أراه واللَّه عقيلا. قال: فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه، ثم أخذ بيدها فأذعنت،
(١) السنن: استنان الخيل، وهو عدوها لمرحها ونشاطها.
(٢) السوام: كل ما رعى من المال في الفلوات إذا خليّ يرعى حيث شاء.
(٣) الناضح: الدابة يستقى عليها الماء.
(٤) الذكر والذكير من الحديد: أيبسه وأشده وأجوده، وفي البيت إفواء.
(٥) أعلاج. جمع علج (بكسر فسكون): الرجل الشديد الغليظ.