كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب يزيد بن الحكم وأخباره

صفحة 478 - الجزء 12

  أستودع اللَّه من إليه ... قلبي على نأيه نزوع⁣(⁣١)

  إذا تذكرته استهلت ... شوقا إلى وجهه الدموع

  كتاب الجارية إليه

  ومضت الجارية وغاب عنه خبرها مدّة، فبينا هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له: أأنت يزيد بن الحكم؟ قال: نعم، فدفع إليه كتابا مختوما، ففضّه فإذا كتابها إليه وفيه:

  لئن كوى قلبك الشّسوع ... فالقلب منّي به صدوع

  وبي وربّ السماء فاعلم ... إليك يا سيدي نزوع

  / أعزز علينا بما تلاقي ... فينا وإن شفّنا الولوع

  فالنفس حرّى عليك ولهى ... والعين عبرى لها دموع

  فموتنا في يد التنائي ... وعيشنا القرب والرجوع

  وحيثما كنت يا منايا ... فالقلب منّي به خشوع

  ثم عليك السلام منّي ... ما كان من شمسها طلوع

  قال: فبكى واللَّه حتى رحمه من حضر، وقال لنا الكهل: ما قصته؟ فأخبرناه بما بينهما، فجعل يستغفر اللَّه من حمله الكتاب إليه، وأحسب أن هذا الخبر مصنوع؛ ولكن هكذا أخبرنا به ابن أبي الأزهر.

  شعر نسب إليه وإلى طرفة بن العبد

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني أبو الزعراء - رجل من بني قيس بن ثعلبة - لطرفة بن العبد:

  تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي جوي

  قال: فعجبت من ذلك وأنشدته أبا عمرو بن العلاء وقلت له: أني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفيّ فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد، فقال لي أبو عمرو: إنّ أبا الزعراء في سنّ يزيد بن الحكم، ويزيد مولَّد يجيد الشعر، وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا.

  قال مؤلف هذا الكتاب: ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه، لأنّ العلماء من رواة الشعر رووها ليزيد بن الحكم، وهذا أعرابي لا يحصل ما يقوله، ولو كان هذا الشعر مشكوكا فيه أنه ليزيد بن الحكم - وليس كذلك - لكان معلوما أنه ليس لطرفة، ولا موجودا في شعره على سائر الروايات، ولا هو أيضا مشبها لمذهب طرفة ونمطه، وهو بيزيد أشبه، وله في معناه عدّة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربّه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص. ومن قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إنّ عمه عبد الرحمن هو الذي عاتبه، وفيه يقول:

  ومولى كذئب السّوء لو يستطيعني ... أصاب دمي يوما بغير قتيل


(١) النزوع: المشتاق.