أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  كان كاتبا لابن عباس على البصرة
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي ووكيع وعمي قالوا جميعا حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عمران الضّبّيّ قال حدّثني خالد بن عبد اللَّه قال حدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّى قال:
  كان أبو الأسود الدؤلي كاتبا لابن عباس على البصرة، وهو الذي يقول:
  وإذا طلبت من الحوائج حاجة ... فادع الإله وأحسن الأعمالا
  فليعطينّك ما أراد بقدرة ... فهو اللطيف لما أراد فعالا
  / إن العباد وشأنهم وأمورهم ... بيد الإله يقلَّب الأحوالا
  فدع العباد ولا تكن بطلابهم ... لهجا تضعضع(١) للعباد سؤالا
  كان يكثر الخروج والركوب في كبره وتعليله ذلك
  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا الرّياشيّ عن محمد بن سلام قال:
  كان أبو الأسود الدؤلي قد أسنّ وكبر، وكان مع ذلك يركب إلى المسجد والسّوق ويزور أصدقاءه، فقال له رجل: يا أبا الأسود، أراك تكثر الركوب وقد ضعفت عن الحركة وكبرت، ولو لزمت منزلك كان أودع لك. فقال له أبو الأسود: صدقت / ولكنّ الركوب يشّد أعضائي، وأسمع من أخبار الناس ما لا أسمعه في بيتي، وأستنشى الريح، وألقى إخواني، ولو جلست في بيتي لاغتمّ بي أهلي، وأنس بي الصبيّ، واجترأ عليّ الخادم، وكلَّمني من أهلي من يهاب كلامي، لإلفهم إيّاي، وجلوسهم عندي؛ حتى لعلّ العنز وأن تبول عليّ فلا يقول لها أحد: هس(٢).
  سأله بنو الديل المعاونة في دية رجل فأبى وعلل امتناعه
  أخبرني محمد بن القاسم الأنباريّ قال حدّثني أبي قال حدّثنا أبو عكرمة قال:
  كان بين بني الدليل وبين بني ليث منازعة، فقتلت بنو الديل منهم رجلا، ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدّوا ديته، فاجتمعوا إلى أبي الأسود يسألونه المعاونة على أدائها، وألحّ عليه غلام منهم ذو بيان وعارضة، فقال له: يا أبا الأسود، أنت شيخ العشيرة وسيّدهم، وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ولا سؤدد ولا جود، فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود، ثم قال له: قد أكثرت يا بن أخي فاسمع مني: إن الرجل واللَّه ما يعطي ماله إلا لإحدى خلال: إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة ممن يعطيه، أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله، أو رجل أراد وجه اللَّه وما عنده في الدار الآخرة، أو رجل أحمق خدع عن ماله، وو اللَّه ما أنتم إحدى هذه الطبقات. ولا جئتم في شيء من هذا، ولا عمّك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء، ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود لو وصل إلى بني الديل، قوموا إذا شئتم. فقاموا يبادرون الباب.
(١) تتضعضع: تخضع وتذل، وحذفت التاء الأولى.
(٢) هس: زجر للغنم.