كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 485 - الجزء 12

  استهزأ به رجل فردّ علهى فأفحمه وقال في ذلك شعرا

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال:

  كان طريق أبي الأسود الدؤليّ إلى المسجد والسوق في بني تيم اللَّه بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الاستهزاء بمن يمرّ به، فمرّ به أبو الأسود الدؤليّ يوما / فقال لقومه: كأنّ وجه أبي الأسود وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاق، فضحك القوم، وأعرض عنهم أبو الأسود. ثم مرّ به مرّة أخرى، فقال لهم: كأنّ غضون قفا أبي الأسود غضون الفقاح⁣(⁣١). فأقبل عليه أبو الأسود فقال له: هل تعرف فقحة أمّك فيهنّ؟ فأفحمه، وضحك القوم منه، وقاموا إلى أبي الأسود، فاعتذروا إليه مما كان، ولم يعاوده الرجل بعد ذلك، وقال فيه أبو الأسود بعد ذلك حين رجع إلى أهله:

  وأهوج ملجاج تصاممت قبله ... أن اسمعه وما بسمعي من باس

  ولو شئت قد أعرضت حتى أصيبه ... على أنفه حدباء تعضل بالاسي⁣(⁣٢)

  فإن لساني ليس أهون وقعة ... وأصغر آثارا من النحت بالفاس

  وذي إحنة لم يبدها غير أنه ... كذي الخبل تأبى نفسه غير وسواس⁣(⁣٣)

  صفحت له صفحا جميلا كصفحه ... وعيني - وما يدري - عليه وأحراسي⁣(⁣٤)

  / وعندي له إن فار فوّار صدره ... فما جبليّ لا يعاوده الحاسي

  وخبّ لحوم الناس أكثر زاده ... كثير الخنا صعب المحالة همّاس⁣(⁣٥)

  تركت له لحمي وأبقيت لحمه ... لمن نابه من حاضر الجنّ والناس

  فكَّر قليلا ثم صدّ كأنما ... يعضّ بصمّ من صفا جبل رأسي⁣(⁣٦)

  خبره مع أعرابي جاء يسأله

  أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدّثنا المدائنيّ قال:

  خرج أبو الأسود الدؤلي ومعه جماعة أصحاب له إلى الصيد، فجاءه أعرابيّ فقال له: السلام عليك. فقال له أبو الأسود: كلمة مقولة. قال: أدخل؟ قال: وراؤك أوسع لك. قال: إن الرّمضاء قد أحرقت رجلي، قال: بل عليها أو ائت الجبل يفئ عليك. قال: هل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نأكل ونطعم العيال، فإن فضل شيء فأنت


(١) الفقاح: جمع فقحة وهي حلقة الدبر.

(٢) حدباء: صعبة شديدة، الآسي: المداوي. أعضل به الأمر: ضاقت عليه الحيل فيه.

(٣) الإحنة: الضغينة والعداوة.

(٤) الفحا: تواب القدور كالفلفل والكمون ونحوهما.

(٥) الخب: الخدّاع.

(٦) صم: جمع أصم وهو الحجر الصلب المصمت. وفي الأصول «من صدى» وهو تحريف.