كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 486 - الجزء 12

  أحقّ به من الكلب، فقال الأعرابي: ما رأيت قطَّ ألأم منك. قال أبو الأسود: بلى قد رأيت؛ ولكنك قد أنسيت.

  خبره مع ابن أبي الحمامة

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن المدائنيّ بهذا الخبر فقال فيه:

  كان أبو الأسود جالسا في دهليزه وبين يديه رطب، فجاز به رجل من الأعراب يقال له ابن أبي الحمامة، فسلَّم ثم ذكر باقي الخبر، مثل الذي تقدّمه، وزاد عليه فقال: أنا ابن أبي الحمامة. قال: كن ابن أبي طاوسة⁣(⁣١)، وانصرف. قال: أسألك باللَّه إلا أطعمتني مما تأكل، قال: فألقى إليه أبو الأسود ثلاث رطبات، فوقعت إحداهنّ في التراب، فأخذها يمسحها بثوبه، فقال له أبو الأسود: دعها فإن الذي تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به، فقال: إنما كرهت أن أدعها للشيطان، فقال له: لا واللَّه ولجبريل وميكائيل تدعها.

  خطب امرأة من عبد القيس فمنعها أهلها وزوجوها ابن عمها فقال أبو الأسود شعرا في ذلك

  أخبرني محمد بن عمران الضبيّ الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل قال حدّثنا محمد بن معاوية الأسديّ قال ذكر الهيثم بن عديّ عن ابن عياش قال:

  / خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد بن غنيم، فأسرّ أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد، فحدّث به ابن عم لها كان يخطبها - وكان لها مال عند أهلها - فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها عندهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود، وسألهم أن يمنعوها من نكاحه، ومن مالها الذي في أيديهم، ففعلوا ذلك، وضارّوها حتى تزوّجت بابن عمها، فقال أبو الأسود الدؤلي في ذلك:

  لعمري لقد أفشيت يوما فخانني ... إلى بعض من لم أخش سرّا ممنّعا

  فمزّقه مزق العمى وهو غافل ... ونادى بما أخفيت منه فأسمعا

  فقلت ولم أفحش لعّالك عاثرا ... وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا⁣(⁣٢)

  ولست بجازيك الملامة إنني ... أرى العفو أدنى للرشاد وأوسعا

  ولكن تعلَّم أنه عهد بيننا ... فبن غير مذموم ولكن مودّعا⁣(⁣٣)

  حديثا أضعناه كلانا فلا أرى ... وأنت نجيّا آخر الدهر أجمعا⁣(⁣٤)

  وكنت إذا ضيعت سرك لم تجد ... سواك له إلا أشتّ وأضيعا

  قال: وقال فيه:


(١) كذا في أكثر الأصول، وفي ف: «كن ابن أي طائر شئت».

(٢) لعالك: كلمة يدعى بها للعاثر أن ينتعش.

(٣) البين: الفراق.

(٤) النجيّ: المسار.