كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 488 - الجزء 12

  كتب مستجديا إلى نعيم بن مسعود فأجابه، وإلى الحصين بن أبي الحرّ فرمى كتابه فقال في ذلك شعرا

  كتب إليّ أبو خليفة يذكر أن محمد بن سلام حدّثه، وأخبرني محمد بن يحيى الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلام قال:

  وجه أبو الأسود الدؤليّ إلى الحصين بن أبي الحرّ العنبريّ جد عبيد اللَّه بن الحسن القاضي، وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد، وإلى نعيم بن مسعود النّهشليّ وكان يلي مثل ذلك برسول، وكتب معه إليهما وأراد أن يبرّاه، ففعل ذلك نعيم بن مسعود، ورمى الحصين بن أبي الحرّ بكتاب أبي الأسود وراء ظهره، فعاد الرجل فأخبره، فقال أبو الأسود للحصين:

  حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضا ... لسيبك، لم يذهب رجائي هنالكا⁣(⁣١)

  وخبّرني من كنت أرسلت أنما ... أخذت كتابي معرضا بشمالكا

  / نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا

  نعيم بن مسعود أحقّ بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق بذلكا

  يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا بذلكا⁣(⁣٢)؟

  قال محمد بن سلام: فتقدّم رجل إلى عبيد اللَّه بن الحسن بن الحصين بن أبي الحرّ - وهو قاضي البصرة - مع خصم له فخلط في قوله، فتمثل عبيد اللَّه بقول أبي الأسود:

  يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا كذلكا

  فقال الرجل: إن رأى القاضي أن يدنيني منه لأقول شيئا فعل. فقال له: ادن، فقال له: إن أحق الناس بستر هذا الشعر أنت، وقد علمت فيمن قيل، فتبسم / عبيد اللَّه وقال له: إني أرى فيك مصطنعا⁣(⁣٣) فقم إلى منزلك، وقال لخصمه: رح إليّ، فغرم له ما كان يطالب به.

  أراد السفر إلى فارس في الشتاء فأبت عليه ابنته فقال في ذلك شعرا

  أخبرني عمي قال حدّثنا الكراني عن ابن عائشة قال:

  أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس، فقالت له ابنته: يا أبت إنك قد كبرت، وهذا صميم الشتاء، فانتظر حتى ينصرم وتسلك الطريق آمنا، فإني أخشى عليك، فقال أبو الأسود:

  إذا كنت معنيا بأمر تريده ... فما للمضاء والتوكل من مثل

  توكل وحمل أمرك اللَّه إن ما ... تراد به آتيك فاقنع بذي الفضل

  ولا تحسبنّ السير أقرب للردى ... من الخفض في دار المقامة والثّمل⁣(⁣٤)


(١) السيب: العطاء.

(٢) النوك: الحمق.

(٣) أي محلا للصنيعة والجميل.

(٤) الثمل: الإقامة والمكث.