أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  ولا تحسبيني يا بنتي عزّ مذهبي ... بظنك، إن الظن يكذب ذا العقل
  وإني ملاق ما قضى اللَّه فاصبري ... ولا تجعلي العلم المحقّق كالجهل
  وإنك لا تدرين: هل ما أخافه ... أبعدي يأتي في رحيلي أو قبلي؟
  وكم قد رأيت حاذرا متحفّظا ... أصيب وألفته المنية في الأهل
  خبره مع صديقه نسيب بن حميد وشعره في ذلك
  أخبرني هاشم بن محمد قال حدّثنا عيسى بن إبراهيم(١) العتكي قال حدّثنا ابن عائشة عن أبيه قال:
  كان لأبي الأسود صديق من بني سليم يقال له نسيب بن حميد، وكان ينشاه في منزله، ويتحدث إليه في المسجد، وكان كثيرا ما يحلف له أنه ليس بالبصرة أحد من قومه ولا من غيرهم آثر عنده منه، فرأى أبو الأسود يوما معه مستقة(٢) مخملة أصبهانية / من صوف، فقال له أبو الأسود: ما تصنع بهذه المستقة؟ فقال: أريد بيعها، فقال له أبو الأسود: انظر ما تبلغ فعرّفنيه حتى أبعث به إليك، فإنها من حاجتي، قال: لا بل أكسوكها، فأبى أبو الأسود أن يقبلها إلا بثمنها، فبعث بها إلى السوق فقومت بمائتي درهم، فبعث إليه أبو الأسود بالدراهم، فردّها وقال:
  لست أبيعها إلا بمائتين وخمسين درهما، فقال أبو الأسود:
  بعني نسيب ولا تثبني إنني ... لا أستثيب ولا أثيب الواهبا
  إن العطية خير ما وجّهتها ... وحسبتها حمدا وأجرا واجبا
  ومن العطية ما يعود غرامة ... وملامة تبقى ومنّا كاذبا
  وبلوت أخبار الرجال وفعلهم ... فملئت علما منهم وتجاربا
  / فأخذت منهم ما رضيت بأخذه ... وتركت عمدا ما هنالك جانبا
  فإذا وعدت الوعد كنت كغارم ... دينا أقرّ به وأحضر كاتبا
  حتى أنفّذه على ما قلته ... وكفى عليّ به لنفسي طالبا
  وإذا فعلت فعلت غير محاسب ... وكفى بربك جازيا ومحاسبا
  وإذا منعت منعت منعا بيّنا ... وأرحت من طول العناء الراغبا
  لا أشتري الحمد القليل بقاؤه ... يوما بذم الدهر أجمع واصبا(٣)
  ضرط في مجلس معاوية فطلب منه أن يسترها عليه، فوعده، ولكنه لم يفعل
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن محمد الرازي ومحمد بن العباس اليزيدي وعمي قالوا حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال:
  زعم أبو بكر الهذلي أن أبا الأسود الدؤلي كان يحدّث معاوية يوما فتحرك فضرط، فقال لمعاوية: استرها
(١) في ف «إسماعيل».
(٢) المستقة: فروة طويلة الكم، معربة وأصلها بالفارسية مشته. وثوب محمل: له خمل (كشمس)، أي هدب كهدب القطيفة.
(٣) واصبا: دائما.