أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  عليّ، فقال: نعم، فلما خرج حدّث بها معاوية / عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟ قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة، من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها، وكل أجوف ضروط، ثم أقبل على معاوية فقال: إن امرأ ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بألا يؤمن على أمور المسلمين.
  تزوج امرأة برزة فخانته وأفشت سره، فطلقها وقال في ذلك شعرا
  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدّثنا محمد بن الحكم عن عوانة قال:
  كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدّث إليها، وكانت برزة(١) جميلة، فقالت له: يا أبا الأسود، هل لك في أن أتزوّجك؟ فإني صناع(٢) الكفّ، حسنة التدبير، قانعة بالميسور، قال: نعم، فجمعت أهلها فتزوّجته؛ فوجد عندها خلاف ما قدّره، وأسرعت في ماله، ومدّت يدها إلى خيانته، وأفشت سرّه، فغدا على من كان حضر تزويجه إياها، فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا، فقال لهم:
  أريت امرا كنت لم أبله ... أتاني فقال اتّخذني خليلا(٣)
  فخاللته ثم أكرمته ... فلم أستفد من له فتيلا
  وألفيته حين جرّبته ... كذوب الحديث سروقا بخيلا
  فذكَّرته ثم عاتبته ... عتابا رفيقا وقولا جميلا
  فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر اللَّه إلا قليلا(٤)
  ألست حقيقا بتوديعه ... واتباع ذلك صرما طويلا؟
  / فقالوا: بلى واللَّه يا أبا الأسود! قال: تلك صاحبتكم، وقد طلقتها لكم، وأنا أحبّ أن أستر ما أنكرته من أمرها، فانصرفت معهم.
  أنكر عليه معاوية بخره فرد عليه
  حدّثنا اليزيدي قال حدّثنا البغويّ قال حدّثنا العمري قال:
  كان أبو الأسود أبخر، فسارّ معاوية يوما بشيء فأصغى إليه ممسكا بكمّه على أنفه، فنحّى أبو الأسود يده عن أنفه، وقال: لا واللَّه لا تسود حتى تصبر على سرار المشايخ البخر.
  عابه زياد عند عليّ فقال في ذلك شعرا
  أخبرني عبد اللَّه بن محمد الرازيّ قال: حدّثنا محمد بن الحارث الخراز قال حدّثنا المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
(١) امرأة برزة: كهلة جليلة تبرز للقوم فيجلسون إليها ويتحدثون.
(٢) امرأة صناع اليدين: حاذقة ماهرة بعمل اليدين.
(٣) أريت: أصله أرأيت، يقولون: أرأيتك (والتاء مفتوحة) بمعنى أخبرني. بلاه يبلوه: اختبره وامتحنه.
(٤) استعتبه: استرضاه.