أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  كان عليّ بن أبي طالب # استعمل أبا / الأسود على البصرة، واستكتب زياد بن أبيه على الديوان والخراج، فجعل زياد يسبع(١) أبا الأسود عند عليّ ويقع فيه ويبغي عليه، فلما بلغ ذلك أبا الأسود عنه قال فيه:
  رأيت زيادا ينتحيني بشرّه ... وأعرض عنه وهو باد مقاتله
  وكل امرئ، واللَّه بالناس عالم ... له عادة قامت عليها شمائله
  تعوّدها فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كلّ أمر أوائله
  ويعجبه صفحي له وتجمّلي ... وذو الجهل يحذو(٢) الجهل من لا يعاجله
  فقلت له دعني وشأني إننا ... كلانا عليه معمل(٣) هو عامله
  فلولا الذي قد يرتجى من رجائه ... لجرّبت مني بعض ما أنت جاهله
  لجرّبت أنّي أمنح الغنيّ من غوى ... عليّ وأجزي ما جزى وأطاوله
  / وقال لزياد أيضا في ذلك:
  نبّئت أن زيادا ظلّ يشتمني ... والقول يكتب عند اللَّه والعمل
  وقد لقيت زيادا ثم قلت له ... وقبل ذلك ما خبّت به الرسل(٤)
  حتّام تسرقني في كل مجمعة ... عرضي، وأنت إذا ما شئت منتفل
  كل امرئ صائر يوما لشيمته ... في كل منزلة يبلى بها الرجل
  قال: فلما ادّعى معاوية زيادا وولَّاه العراق كان أبو الأسود يأتيه فيسأله حوائجه، فربما قضاها وربما منعها لما يعلمه من رأيه وهواه في عليّ بن أبي طالب #، وما كان بينهما في تلك الأيام وهما عاملان، فكان أبو الأسود يترضّاه ويداريه ما استطاع ويقول في ذلك:
  رايت زيادا صدّ عنّي وجهه ... ولم يك مردودا عن الخير سائله
  ينفّذ حاجات الرجال، وحاجتي ... كداء الجوى في جوفه لا يزايله
  فلا أناس ناس ما نسيت فآيس ... ولا أنا راء ما رأيت ففاعله
  وفي اليأس حزم للَّبيب وراحة ... من الأمر لا ينسى ولا المرء نائله
  أكرمه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأفضل عليه فقال يمدحه
  وقال المدائنيّ: نظر عبد الرحمن بن أبي بكرة(٥) إلى أبي الأسود في حال رثّه فبعث إليه بدنانير وثياب، وسأله
(١) سبعه: شتمه ووقع فيه.
(٢) حذاه: أعطاه.
(٣) معمل: عمل.
(٤) خبت: سارت.
(٥) أبو بكرة: هو أخو زياد لأمّه.