كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 492 - الجزء 12

  أن ينبسط إليه في حوائجه ويستمنحه إذا أضاق⁣(⁣١)، فقال أبو الأسود يمدحه:

  أبو بحر أمنّ الناس طرا ... علينا بعد حيّ أبي المغيرة⁣(⁣٢)

  لقد أبقى لنا الحدثان منه ... أخا ثقة منافعه كثيره

  / قريب الخير سهلا غير وعر ... وبعض الخير تمنعه الوعوره

  بصرت بأنّنا أصحاب حقّ ... ندلّ به وإخوان وجيره

  وأهل مضيعة فوجدت خيرا ... من الخلَّان فينا والعشيره⁣(⁣٣)

  وإنك قد علمت وكلّ نفس ... ترى صفحاتها ولها سريره

  لذو قلب بذي القربى رحيم ... وذو عين بما بلغت بصيره

  لعمرك ما حباك اللَّه نفسا ... بها جشع ولا نفسا شريره⁣(⁣٤)

  / ولكن أنت لا شرس غليظ ... ولا هشم تنازعه خئورة⁣(⁣٥)

  كأنا إذا أتيناه نزلنا ... بجانب روضة ريّا مطيره

  كان عبيد اللَّه بن زياد يماطله في قضاء حاجاته فعاتبه في ذلك

  قال المدائنيّ: وكان أبو الأسود يدخل على عبيد اللَّه بن زياد، فيشكو إليه أنّ عليه دينا لا يجد إلى قضائه سبيلا، فيقول له: إذا كان غد فارفع إليّ حاجتك فإني أحب قضاءها، فيدخل إليه من غد، فيذكر له أمره ووعده فيتغافل عنه، ثم يعاوده فلا يصنع في أمره شيئا، فقال فيه أبو الأسود:

  دعاني أميري كي أفوه بحاجتي ... فقلت فما ردّ الجواب ولا استمع

  فقمت ولم أحسس بشيء ولم أصن ... كلامي وخير القول ما صين أو نفع

  وأجمعت يأسا لا لبانة بعده ... ولليأس أدنى للعفاف من الطمع

  سأله رجل فمنعه فأنكر عليه فاحتج ببيت لحاتم

  أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدّثني ابن عائشة قال:

  / سأل رجل أبا الأسود شيئا فمنعه، فقال له: يا أبا الأسود ما أصبحت حاتميا؟ قال: بلى قد أصبحت حاتميا من حيث لا تدري، أليس حاتم الذي يقول:

  أماويّ إمّا مانع فمبيّن ... وإمّا عطاء لا ينهنهه الزجر⁣(⁣٦)


(١) أضاق: ذهب ماله.

(٢) ورد هذا البيت في «اللسان» مادة «حيى»، وأبو المغيرة كنية زياد (انظر «الطبري» ٦: ١٣١).

(٣) مضيعة: ضياع واطراح وهوان.

(٤) شريرة: ذات شرّ.

(٥) هشم: هشيم رخو. خئورة: ضعف وفتور.

(٦) نهنهه: كفه.