كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 493 - الجزء 12

  شعره في جار له كان يحسده ويذمه

  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا ابن عائشة قال:

  كان لأبي الأسود جار يحسده وتبلغه عنه قوارص، فلما باع أبو الأسود داره في بني الديل، وانتقل إلى هذيل، قال جار أبي الأسود لبعض جيرانه من هذيل: هل يسقيكم أبو الأسود من ألبان لقاحه؟ وكانت لا تزال عنده لقحه⁣(⁣١) أو لفحتان، وكان جاره هذا يصيب من الشراب، فبلغ أبا الأسود قوله، فقال فيه:

  إن امرأ نبّئته من صديقنا ... يسائل هل أسقي من اللبن الجارا؟

  وإني لأسقي الجار في قعر بيته ... وأشرب ما لا إثم فيه ولا عارا

  شرابا حلالا يترك المرء صاحيا ... ولا يتولَّى يقلس الإثم والعارا⁣(⁣٢)

  قصد صديقه حوثرة بن سليم فأعرض عنه فهجاه

  أخبرني عبيد اللَّه بن محمد الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:

  كان لأبي الأسود صديق من بني قيس بن ثعلبة يقال له حوثرة بن سليم، فاستعمله عبيد اللَّه بن زياد على جيّ⁣(⁣٣) وأصبهان، وكان أبو الأسود بفارس، فلما بلغه خبره أتاه فلم يجد عنده ما يقدّره، وجفاه حوثرة؛ فقال فيه أبو الأسود وفارقه:

  /

  تروّحت من رستاق جيّ عشية ... وخلَّفت في رستاق جيّ أخالكا

  أخا لك إن طال التنائي وجدته ... نسيّا وإن طال التعاشر ملَّكا

  ولو كنت سيفا يعجب الناس حدّه ... وكنت له يوما من الدهر فلَّكا⁣(⁣٤)

  ولو كنت أهدى الناس ثم صحبته ... وطاوعته ضلّ الهوى وأضلَّكا

  إذا جئته تبغي الهدى خالف الهدى ... وإن جرت عن باب الغواية دلَّكا

  ساومه جار له في شراء لقحة وعابها فأبى عليه وقال في ذلك شعرا

  قال المدائني: وكان لأبي الأسود جار، يقال له وثاق من خزاعة، وكان يحبّ اتّخاذ اللقاح / ويغالي بها ويصفها، فأتى أبا الأسود وعنده لقحة غزيرة يقال لها: الصّفوف⁣(⁣٥) فقال له: يا أبا الأسود ما بلقحتك بأس لولا عيب كذا وكذا، فهل لك في بيعها؟ فقال أبو الأسود: على ما تذكر فيها من العيب؟ فقال: إني أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها، فقال له أبو الأسود: بئست الخلَّتان فيك، الحرص، والخداع، أنا لعيب مالي أشدّ اغتفارا؛ وقال أبو الأسود فيه:


(١) اللقحة: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن.

(٢) أصله من قلست الكأس: قذفت بالشراب لشدّة الامتلاء، وقلست النحل العسل: ومجته، والمعنى هنا: يعقب الإثم.

(٣) جيّ: مدينة ناحية أصبهان.

(٤) قل السيف: ثلمه.

(٥) كذا في ج، وفي باقي الأصول: «الصعوف»، تصحيف.