أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  /
  لنا صاحب لا كليل اللسان ... فيصمت عنا ولا صارم
  وشرّ الرجال على أهله ... وأصحابه الحمق العارم
  وقال فيه:
  إذا كان شيء بيننا قيل إنه ... حديد فخالف جهله وترفّق
  شنئت من الأصحاب من لست بارحا ... أدامله دمل السقاء المخرّق(١)
  كتب إلى الحصين كتابا فتهاون به فقال فيه شعر
  وقال المدائنيّ:
  ولَّى عبيد اللَّه بن زياد الحصين بن أبي الحرّ العنبريّ ميسان، فدامت ولايته إياها خمس سنين، فكتب إليه أبو الأسود كتابا يتصدّى فيه لرفده، فتهاون به ولم ينظر فيه، فرجع إليه رسوله فأخبره بفعله، فقال فيه:
  ألا أبلغا عنيّ حصينا رسالة ... فإنك قد قطَّعت أخرى خلالكا
  فلو كنت إذ أصبحت للخرج عاملا ... بميسان تعطي الناس من غير مالكا(٢)
  سألتك أو عرّضت بالود بيننا ... لقد كان حقّا واجبا بعض ذلكا
  وخبّرني من كنت أرسلت أنما ... أخذت كتابي معرضا بشمالكا
  نظرت إلى عنوانه ونبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
  حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضا ... لسيبك، لم يذهب رجائي هنالكا
  يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلا كذلكا
  فبلغت أبيات أبي الأسود حصينا، فغضب وقال: ما ظننت منزلة أبي الأسود بلغت ما يتعاطاه من / مساءتنا وتوعّدنا وتوبيخنا، فبلغ ذلك أبا الأسود فقال فيه:
  /
  أبلغ حصينا إذا جئته ... نصيحة ذي الرأي للمجتنيها
  فلا تك مثل التي استخرجت ... بأظلافها مدية أو بفيها(٣)
  فقام إليها بها ذابح ... ومن تدع يوما شعوب يجيها(٤)
  فظلت بأوصالها قدرها ... تحشّ الوليدة أو تشتويها(٥)
  وإن تأب نصحي ولا تنتهي ... ولم تر قولي بنصح شبيها
(١) دامله: داراه ليصلح ما بينه وبينه.
(٢) الخرج: الخراج.
(٣) يشير إلى المثل: «كباحثة عن حتفها بظلفها»، وأصله أن رجلا كان جائعا بالفلاة القفر، فوجد شاة ولم يكن معه ما يذبحها به، فبحثت الشاة الأرض بأظلافها فسقطت على شفرة فذبحها بها.
(٤) شعوب: المنية.
(٥) حش النار: أوقدها.