أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  كانت لأبي الأسود الدؤلي امرأة من بني قشير وامرأة من عبد القيس، فأسنّ وضعف عما يطيقه الشباب من أمر النساء، فأما القشيرية فكانت أقدامهما عنده وأسنهما، فكانت موافقة له صابرة عليه، وهي أم عوف القشيرية التي يقول فيها:
  /
  أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد
  كسحق يمان قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد(١)
  / وأما الأخرى التي من عبد القيس فهي فاطمة بنت دعميّ - وكانت أشبّهما وأجملهما - فالتوت عليه لما أسنّ، وتنكرت له وساءت عشرتها، فقال فيها أبو الأسود:
  تعاتبني عرسي على أن أطيعها ... قد كذبتها نفسها ما تمنّت
  وظنت بأني كلّ ما رضيت به ... رضيت به، يا جهلها كيف ظنت!
  وصاحبتها ما لو صحبت بمثله ... على ذعرها أروية لاطمأنت(٢)
  وقد غرّها مني على الشيب والبلى ... جنوني بها، جنّت حيالي وحنّت
  - يقال: جنّ وحنّ، وهو من الأتباع كما يقال: حسن بسن -
  ولا ذنب لي قد قلت في بدء أمرنا ... ولو علمت ما علَّمت ما تعنّت(٣)
  تشكَّى إلى جاراتها وبناتها ... إذا لم تجد ذنبا علينا تجنّت
  ألم تعلمي أني إذا خفت جفوة ... بمنزلة أبعدت منها مطيتي
  وأني إذا شقّت عليّ حليلتي ... ذهلت ولم أحنن إذا هي حنّت(٤)
  وفيها يقول:
  أفاطم مهلا بعض هذا التعبس ... وإن كان منك الجدّ فالصّرم موئسى
  تشتّم لي لما رأتني أحبها ... كذى نعمة لم يبدها غير أبؤس
  فإن تنقضي العهد الذي كان بيننا ... وتلوى به في ودّك المتحلَّس(٥)
  فإني - فلا يغررك مني تجملي - ... لأسلى البعاد بالبعاد المكنّس(٦)
  وأعلم أن الأرض فيها منادح ... لمن كان لم تسدد عليه بمحبس(٧)
(١) السحق: الثوب البالي.
(٢) الأروية: الأنثى من الوعول.
(٣) تعناه: عناه وأوقعه في العناء.
(٤) شق عليه: أوقعه في المشقة. ذهله وعنه: سلاه وطابت نفسه عن إلفه.
(٥) تحلس بالمكان: أقام به.
(٦) يقال: سلاه وسلا عنه، وسيله وسلى عنه.
(٧) منادح: جمع مندوحة: وهي السعة.