أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه
  وكنت امرأ لا صحبة السوء أرتجي ... ولا أنا نوّام بغير معرّس(١)
  أرسل غلامه يشتري له جارية فأخذها لنفسه فقال شعرا في ذلك
  وقال المدائني:
  كان لأبي الأسود الدؤلي مولى يقال له نافع ويكنى أبا الصبّاح، فذكرت لأبي الأسود جارية تباع، فركب فنظر إليها فأعجبته، فأرسل نافعا يشتريها له فاشتراها لنفسه وغدر بأبي الأسود، فقال في ذلك:
  إذا كنت تبغي للأمانة حاملا ... فدع نافعا وانظر لها من يطيقها
  فإن الفتى خبّ كذوب وإنه ... له نفس سوء يحتويها صديقها
  متى يخل يوما وحده بأمانة ... تغل جميعا أو يغل فريقها
  على أنه أبقى الرجال سمانة ... كما كلّ مسمان الكلاب سروقها
  خطبته في موت عليّ بن أبي طالب
  أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال حدّثنا عمر بن شبة قال حدّثنا علي بن محمد المدائنيّ عن أبي بكر الهذليّ قال:
  أتى أبا الأسود الدؤلي نعي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب #، وبيعة الحسن #، فقام على المنبر فخطب الناس ونعى لهم عليا # فقال في خطبته:
  «وإن رجلا من أعداء اللَّه المارقة عن دينه، اغتال أمير المؤمنين / عليا كرم اللَّه وجهه ومثواه في مسجد وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله، فياللَّه هو من قتيل! وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى اللَّه تعالى بالبر والتقى والإيمان والإحسان! لقد أطفأ منه نور اللَّه في أرضه لا يبين بعده أبدا، وهدم ركنا من أركان اللَّه تعالى لا يشاد مثله؛ فإنّا للَّه وإنا إليه راجعون، وعند اللَّه نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين، و # ورحمة اللَّه يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا».
  / ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال:
  «وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول اللَّه ﷺ وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، وإني لأرجو أن يجبر اللَّه ø به ما وهى، ويسدّ به ما انثلم، ويجمع به الشمل، ويطفئ به نيران الفتنة، فبايعوه ترشدوا».
  كتب إليه معاوية يدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة فقال شعرا يرثي فيه علي بن أبي طالب
  فبايعت الشيعة كلها، وتوقف ناس ممن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك، وهربوا إلى معاوية، فكتب إليه معاوية ودس إليه رسولا يعلمه أن الحسن # قد راسله في الصلح، ويدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة، ويعده ويمنّيه؛ فقال أبو الأسود:
  ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فلا قرّت عيون الشامتينا
(١) المعرس: موضع التعريس؛ وهو نزول القوم في السفر آخر الليل للاستراحة.