كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 504 - الجزء 12

  أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طرّا أجمعينا

  قتلتم خير من ركب المطايا ... وخيّسها ومن ركب السفينا⁣(⁣١)

  ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا⁣(⁣٢)

  إذا استقبلت وجه أبى حسين ... رأيت الدر راق الناظرينا

  لقد علمت قريش حيث حلت ... بأنك خيرها حسبا ودينا

  لزم ابنه المنزل فحثه على العمل والسعي في طلب الرزق

  أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدّثنا الرياشيّ عن الهيثم بن عديّ عن أبي عبيدة قال:

  كان أبو حرب بن أبي الأسود قد لزم منزل أبيه بالبصرة لا ينتجع أرضا، ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها، فعاتبه أبوه على ذلك، فقال أبو حرب: إن كان لي رزق فسيأتيني، فقال له:

  /

  وما طلب المعيشة بالتمنيّ ... ولكن ألق دلوك في الدّلاء

  تجئك بملئها يوما ويوما ... تجئك بحمأة وقليل ماء⁣(⁣٣)

  شعره في ابن مولاته لطيفة

  قال المدائني:

  كانت لأبي الأسود مولاة يقال لها لطيفة، وكان لها عبد تاجر يقال له ملمّ فابتاعت له أمة وأنكحته إياها، فجاءت بغلام فسمته زيدا، فكانت تؤثره على كل أحد، وتجد به وجد الأم بولدها، وجعلته على ضيعتها، فقال فيه أبو الأسود، وقد مرضت لطيفة:

  وزيد هالك هلك الحبارى ... إذا هلكت لطيفة أو ملم⁣(⁣٤)

  تبنته فقال وأنت أمي ... فأنى بعدها لك زيد أمّ!

  ترمّ متاعه وتزيد فيه ... وصاحبها لما يحوي مضمّ⁣(⁣٥)

  ستلقى بعدها شرا وضرا ... وتقصى إن قربت فلا تضمّ

  وتلقاك الملامة كلّ وجه ... سلكت وينتحي حاليك ذم

  / قال فماتت لطيفة من علتها تلك، وورثها أبو الأسود، فطرد زيدا عما كان يتولاه من ضيعتها، وطالبه بما خانه من مالها فارتجعه، فكان بعد ذلك ضائعا مهانا بالبصرة كما قال فيه وتوعده.


(١) خيسها: ذللها.

(٢) حذاه نعلا: أعطاه إياها.

(٣) الحمأة: الطين الأسود المنتّن.

(٤) جاء في «لسان العرب»: «الحبارى: طائر، ومن أمثالهم فيه:» فلان ميت كمد الحبارى «، وذلك أنها تحسر مع الطير أيام التحسير فتلقي الريش، ثم يبطئ نبات ريشها، فإذا طار سائر الطير عجزت عن الطيران فتموت كمدا».

وفي «حياة الحيوان الكبرى» للدميري: «وهي من أكثر الطير حيلة في تحصيل الرزق، ومع ذلك تموت جوعا لهذا السبب».

(٥) مضم: شديد الضم.