كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه

صفحة 505 - الجزء 12

  اشترى جارية للخدمة فتعرّضت له فقال في ذلك شعرا

  قال المدائني أيضا:

  أشترى أبو الأسود أمة للخدمة، فجعلت تتعرض منه للنكاح وتتطيب وتشتمل بثوبها، فدعاها أبو الأسود فقال لها: اشتريتك للعمل والخدمة، ولم أشترك للنكاح، فأقبلي على خدمتك، وقال فيها:

  أصلاح إني لا أريدك للصّبا ... فدعي التشمل حولنا وتبذّلي⁣(⁣١)

  إني أريدك للعجين وللرّحا ... ولحمل قربتنا وغلي المرجل

  وإذا تروّح ضيف أهلك أو غدا ... فخذي لآخر أهبة المستقبل

  أهدى إليه المنذر بن الجارود ثيابا فقال شعرا يمدحه فيه

  أخبرنا الحسن بن الطيب الشجاعي قال حدّثنا أبو عشانة عن ابن عباس قال: كان المنذر بن الجارود العبدي صديقا لأبي الأسود الدؤلي تعجبه مجالسته وحديثه، وكان كل واحد منهما يغشي صاحبه؛ وكانت لأبي الأسود مقطَّعة⁣(⁣٢) من برود يكثر لبسها، فقال له المنذر: لقد أدمنت لبس هذه المقطعة، فقال له أبو الأسود: رب مملول لا يستطاع فراقه؛ فعلم المنذر أنه قد احتاج إلى كسوة فأهدى له ثيابا، فقال أبو الأسود يمدحه:

  كساك ولم تستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر

  وإن أحق الناس إن كنت حامدا ... بحمدك من أعطاك والعرض وافر

  أبيات أوصى فيها ابنه

  أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد اللَّه عن ابن حبيب لأبي الأسود يوصي ابنه، وفي هذه الأبيات غناء:

  صوت

  لا ترسلن رسالة مشهورة ... لا تستطيع - إذا مضت - إدراكها

  أكرم صديق أبيك حيث لقيته ... وأحب الكرامة من بدا فحباكها

  لا تبدينّ نميمة حدّثتها ... وتحفّظنّ من الذي انباكها

  اعتذر لزياد في شيء جرى بينهما فلم يقبل عذره فقال في ذلك شعرا

  أخبرني محمد بن خلف بن مرزبان قال حدّثنا أبو محمد المروزي عن القحذمي عن بعض الرواة أن أبا الأسود الدؤلي اعتذر إلى زياد في شيء جرى بينهما، فكأنه لم يقبل عذره فأنشأ يقول:

  إنني مجرم وأنت أحق الن ... اس أن تقبل الغداة اعتذاري

  فاعف عني فقد سفهت وأنت ال ... مرء تعفو عن الهنات الكبار


(١) تبذل: لبس البذلة؛ وهي ثوب الخدمة والأعمّال. تشمل بالشملة (بالفتح): تغطي بها، وهي كساء دون القطيفة يلتحف به.

(٢) المقطعات من الثياب: شبه الجباب من الخز وغيره.