أخبار أبي الطمحان القيني
  السّكون(١) ثم فاؤا ورجعوا وقالوا له: وما عليك من هذا! هو ابن عمك ويطلب لك بثأرك! فأنعم له بذلك(٢).
  اجتماع السكون وكندة لإنقاذ قيسبة
  وسار قيس وسار الجون معه تحت لوائه، وكندة والسّكون معه؛ فهو أوّل يوم اجتمعت فيه السّكون وكندة لقيس، وبه أدرك الشرف. فسار حتى أوقع بعامر بن عقيل فقتل منهم مقتلة عظيمة واستنقذ قيسبة. وقال في ذلك سلامة بن صبيح الكنديّ:
  لا تشتمونا إذ جلبنا لكم ... ألفي كميت كلَّها سلهبه(٣)
  نحن أبلنا(٤) الخيل في أرضكم ... حتى ثأرنا منكم قيسبه
  / واعترضت من دونهم مذحج ... فصادفوا من خيلنا مشغبه(٥)
  اعتراف أبي الطمحان بأدنى ذنوبه
  حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن أيّوب قال حدّثنا عبد اللَّه بن مسلم قال:
  بلغني أنّ أبا الطَّمحان القينيّ قيل له، وكان فاسقا خاربا، ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلة الدّير. قيل له: وما ليلة الدير؟ قال: نزلت بديرانيّة فأكلت عندها طفيشلا(٦) بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها(٧)، ثم انصرفت عنها.
  التجاؤه إلى بني فزارة من جناية جناها وإقامته عندهم حتى هلك
  أخبرني عمي قال حدّثني محمّد بن عبد اللَّه الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ عن أبيه قال:
  جنى أبو الطَّمحان القينيّ جناية وطلبه السلطان، فهرب من بلاده ولجأ إلى بني فزارة فنزل على رجل منهم يقال له: مالك بن سعد أحد بني شمخ؛ فآواه وأجاره وضرب عليه بيتا وخلطه بنفسه. فأقام مدّة، ثم تشوّق يوما إلى أهله وقد شرب شرابا ثمل منه، فقال لمالك: لولا أن يدي تقصر عن دية جنايتي لعدت إلى أهلي. فقال له: هذه إبلي فخذ منها دية جنايتك واردد(٨) ما شئت. فلمّا أصبح ندم على ما قاله وكره مفارقة موضعه ولم يأمن على نفسه، فأتى مالكا فأنشده:
  سأمدح مالكا في كلّ ركب ... لقيتهم وأترك كل رذل
  فما أنا والبكارة أو مخاض ... عظام جلَّة سدس وبزل(٩)
(١) السكون كصبور: بطن من بطون العرب بكندة.
(٢) أنعم له، أي قال له: نعم.
(٣) الكميت: الَّذي خالط حمرته سواد. السلهب: الطويل من الخيل والناس؛ يقال فرس سلهب وسلهبة إذا عظم وطال وطالت عظامه.
وفرس مسلهبّ: ماض.
(٤) أبال الخيل واستبالها: وقفها للبول؛ يقال: لنبيلن الخيل في عرصاتكم.
(٥) مشغبة: من الشغب بسكون الغين، وهو هيجاء القتال.
(٦) الطفيشل كسميدع: نوع من المرق.
(٧) كساء هنا: جمع كسوة مثل كسى كما ورد في القاموس.
(٨) في «المختار»: «وازدد» ولعلها أصوب.
(٩) البكارة: جمع بكر. والبكر بالفتح: الفتيّ من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة. والمخاض: الحوامل من النوق. وجلة الإبل: مسانّها، وهو جمع جليل مثل صبي وصبية. والسدس: جمع سديس كرغيف ورغف، وهي من الإبل ما دخل في السنة