كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الطمحان القيني

صفحة 8 - الجزء 13

  /

  وقد عرفت كلابكم ثيابي ... كأنّي منكم ونسيت أهلي

  نمت⁣(⁣١) بك من بني شمخ زناد ... لها ما شئت من فرع وأصل

  قال فقال مالك: مرحبا! فإنك حبيب ازداد حبا، إنما اشتقت إلى أهلك وذكرت أنه يحبسك عنهم ما تطالب به من عقل⁣(⁣٢) أو دية، فبذلت لك ما بذلت، وهو لك على كل حال، فأقم في الرّحب والسّعة. فلم يزل مقيما عندهم حتى هلك في دارهم.

  قال أبو عمرو في هذه الرواية: وأخبرني أيضا بمثله محمّد بن جعفر النّحوي صهر المبرّد، قال حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال:

  شعره في الاعتذار لامرأته من ركوبه الأهوال

  عاتبت أبا الطَّمحان القينيّ امرأته في غاراته ومخاطرته بنفسه، وكان لصّا خاربا خبيثا، وأكثرت لومه على ركوب الأهوال ومخاطرته بنفسه في مذاهبه، فقال لها:

  لو كنت في ريمان⁣(⁣٣) تحرس بابه ... أراجيل أحبوش وأغضف آلف

  إذا لأتتني حيث كنت منيّتي ... يخبّ بها هاد بأمري قائف⁣(⁣٤)

  فمن رهبة آتي المتالف سادرا ... وأيّة أرض ليس فيها متالف⁣(⁣٥)

  شعره في بجير بن أوس الطائي وإطلاقه من الأسر

  فأمّا البيت الَّذي ذكرت من شعره أنّ فيه لعريب صنعة وهو:

  أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

  فإنه من قصيدة له مدح بها بجير بن أوس بن حارثة بن لأم الطائيّ، وكان أسيرا في يده. فلما مدحه بهذه القصيدة أطلقه وجزّ ناصيته، فمدحه بعد هذا بعدّة قصائد. وأوّل هذه الأبيات:

  إذا قيل أيّ الناس خير قبيلة⁣(⁣٦) ... وأصبر يوما لا توارى كواكبه


= الثامنة، وذلك إذا ألقى السن الَّتي بعد الرباعية. والبزل: جمع بازل، وهو الناقة والبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه. وفي قافية البيت إقواء.

(١) كذا في الأصول. والمعروف «ورت». وورى الزناد يضرب مثلا للظفر والنجاح أي هم ينجحون فيدركون ما يطلبون بك.

(٢) العقل هو الدية، وهي ما يدفع فدية للقتيل.

(٣) ريمان بفتح الراء موضعان: أحدهما حصن باليمن وهو المقصود هنا، وقصر باليمن وصفه الأعشى في أبياته الَّتي يقول فيها:

يا من يرى ريمان أم ... سى خاويا خربا كعابه

والبيت في «معجم البكري» منسوب لأوس بن حجر. وأراجيل: جمع أرجال، وأرجال: جمع راجل كصاحب وأصحاب، وهو خلاف الفارس. والأحبوش: جماعة الحبش، أو الجماعة أيا كانوا؛ لأنهم إذا تجمعوا اسودّوا. وجمعه أحابيش. والأغضف:

المسترخي الأذن من الكلاب والآلف: المستأنس بمن يحرسهم، من الإلف بكسر الهمزة.

(٤) يخب بها: يسير بها خببا، وهو ضرب من العدو السريع. والهادي بالأمر: العارف به، المهتدي. والقائف: متتبع الآثار العارف بها.

(٥) السادر: الَّذي لا يهتم بشيء، ولا يبالي ما صنع. والمتالف: المهالك.

(٦) «قبيلة» منصوبة على التمييز، وكذلك «يوما»، ويعني بذكر اليوم الوقعات والحروب. وقوله لا توارى كواكبه، أي لا تتوارى، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. ويروى: لا توارى كواكبه (بضم التاء بالبناء للمفعول)، أي لا تستر. والأصل في هذا وما يجري مجرى الأمثال «يوم حليمة». وذلك أن غطيت عين الشمس في ذلك اليوم بالغبار الثائر في الجو فرئيت الكواكب ظهرا، على ما ذكروا فقيل: «ما يوم حليمة بسر» وصار الأمر إلى ما قيل في التوعد «لأرينك الكواكب ظهرا». (عن التبريزي في شرحه على حماسة أبي تمام ج ٤ ص ٧٣ طبع بولاق).