أخبار أبي الطمحان القيني
  فإنّ بني لأم بن عمرو أرومة ... علت فوق صعب لا تنال مراقبه(١)
  أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظَّم الجزع(٢) ثاقبه
  / / لهم مجلس لا يحصرون(٣) عن النّدى ... إذا مطلب المعروف أجدب راكبه
  / وأمّا خبر أسره والوقعة الَّتي أسر فيها فإن عليّ بن سليمان الأخفش أخبرني بها عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال:
  حرب جديلة والغوث الطائيين
  كان أبو الطَّمحان القيني مجاورا في جديلة من ظيّئ، وكانت قد اقتتلت بينها وتحاربت الحرب الَّتي يقال لها «حرب الفساد»(٤) وتحزّبت حزبين: حزب جديلة وحزب الغوث، وكانت هذه الحرب بينهم أربعة أيام، ثلاثة منها للغوث ويوم لجديلة. فأمّا اليوم الَّذي كان لجديلة فهو «يوم ناصفة». وأما الثلاثة الأيام الَّتي كانت للغوث فإنها «يوم قارات حوق»(٥) و «يوم البيضة»(٦) و «يوم عرنان»(٧) وهو آخرها وأشدّها وكان للغوث، فانهزمت جديلة هزيمة قبيحة، وهربت فلحقت بكلب وحالفتهم وأقامت فيهم عشرين سنة.
  شعر أبي الطمحان لما أسر في هذه الحرب
  وأسر أبو الطَّمحان في هذه الحرب: أسره رجلان من طيّئ واشتركا فيه، فاشتراه منهما بجير بن أوس بن حارثة لمّا بلغه قوله:
  /
  أرقت وآبتنى الهموم الطَّوارق ... ولم يلق ما لاقيت قبلي عاشق
(١) الأرومة: الأصل. والمراقب: جمع مرقبة، وهي المنظرة في رأس جبل أو حصن. وروى في «الكامل للمبرد» هذا البيت ضمن أبيات في هذه القصيدة لم يذكرها المؤلف، وها هي ذي:
وإني من القوم الذين هم هم ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه
نجوم سماء كلما غار كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت كتائبه
(«الكامل» ص ٣٠ طبع ليبسك).
(٢) الجزع اليمائي: الخرز اليماني والصيني، وهو الَّذي فيه سواد وبياض. وهو يختلط على ناظم العقد في الظلام.
(٣) لا يحصرون عن الندى: لا يبخلون. وفعله من باب فرح.
(٤) حرب الفساد من أيام العرب كانت كما قال المؤلف بين الغوث وجديلة من طيئ، سميت بذلك لما حدث فيها من الفظائع والأهوال؛ فقد قيل إن هؤلاء خصفوا نعالهم بآذان هؤلاء، وهؤلاء شربوا الشراب بأقحاف رؤوس هؤلاء. وفيه يقول جابر بن الحريش الطائي:
إذ لا تخاف حد وجنا قذف النوى ... قبل الفساد إقامة ونذيرا
ويقال له أيضا: زمن الفساد، وعام الفساد.
(٥) حوق بالضم: موضع. وهذا اليوم هو المعروف أيضا بيوم اليحاميم. وسببه أن الحارث بن جبلة النسائي كان قد أصلح بين طيئ، فلما هلك عادت إلى حربها، فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له عرنان فقتل قائد بني جديلة وهو أسبع بن عمرو بن لأم عم أوس بن خالد بن حارثة بن لأم، وأخذ رجل من سنبس يقال له مصعب أذنيه فخصف بهما نعليه. وفي ذلك يقول أبو سروة السنبسي:
نخصف بالآذان منكم نعالنا ... ونشرب كرها منكم في الجماجم
وتناقل الحيان في ذلك أشعارا كثيرة. (ابن الأثير ج ص ٤٧٦ طبع أوروبا). وقارات جمع قارة وهي أصاغر الجبال والآكام.
(٦) البيضة: عين ماء لبني دارم، كما ذكر أبو محمّد الأعرابي الأسود.
(٧) عرنان: جبل بين تيماء وجبلي طيئ.