كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الطمحان القيني

صفحة 10 - الجزء 13

  إليكم بني لأم تخبّ هجانها ... بكلّ طريق صادفته شبارق⁣(⁣١)

  لكم نائل غمر وأحلام سادة ... وألسنة يوم الخطاب مسالق⁣(⁣٢)

  ولم يدع داع مثلكم لعظيمة ... إذا وزمت بالساعدين السّوارق⁣(⁣٣)

  السوارق: الجوامع⁣(⁣٤)، واحدتها سارقة.

  قال فابتاعه بجير من الطائيّين بحكمهما، فجزّ ناصيته وأعتقه.

  جواره في بني جديلة وقتل تيس له غلاما منهم وشعره في ذلك

  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثنا أبو أيّوب المديني قال: حدّثني مصعب بن عبد اللَّه الزّبيري قال:

  كان أبو الطَّمحان القينيّ مجاورا لبطن من طيّئ يقال لهم بنو جديلة، فنطح تيس له غلاما منهم فقتله، فتعلَّقوا أبا الطمحان وأسروه حتى أدّى⁣(⁣٥) ديته مائة من الإبل. وجاءهم نزيله، وكان يدعى هشاما، ليدفع عنه فلم يقبلوا قوله؛ فقال له أبو الطمحان:

  أتاني هشام يدفع الضّيم جاهدا ... يقول ألا ماذا ترى وتقول

  فقلت له قم يا لك الخير أدّها ... مذلَّلة إنّ العزيز ذليل

  فإن يك دون القين أغبر شامخ ... فليس إلى القين الغداة سبيل⁣(⁣٦)

  انتعاش المأمون ببنين لأبي الطمحان في ساعة اكتئابه

  أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن مالك، عن إسحاق قال:

  دخلت يوما على المأمون فوجدته حائرا متفكَّرا غير نشيط، فأخذت أحدّثه بملح الأحاديث وطرفها، أستميله لأن يضحك أو ينشط، فلم يفعل. وخطر ببالي بيتان فأنشدته إيّاهما، وهما:

  ألا علَّلاني قبل نوح النّوائح⁣(⁣٧) ... وقبل نشوز⁣(⁣٨) النفس بين الجوانح

  وقبل غد، يا لهف نفسي على غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح⁣(⁣٩)


(١) تخب: تسير الخبب، وهو العدو السريع. والهجان: كرام الإبل. والشبارق: جمع شبرق بكسر الشين والراء، وهو شجر منبته نجد وتهامة، وثمرته شاكة صغيرة الجرم حمراء مثل الدم منبتها السباخ والقيعان، وإذا يبس فهو الضريع.

(٢) مسالق: ذربة حادة؛ ومنه قوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ}.

(٣) في ب، س، ط: «إذا رزمت» وهو تحريف. ووزمت: عضت. ورواية «اللسان» و «أساس البلاغة» (مادة أزم): «إذا أزمت». والأزم:

العض كالوزم.

(٤) الجوامع: القيود الَّتي تشد بها سواعد الأسرى والمحبوسين.

(٥) لعلَّها: يؤدي.

(٦) القين: قبيلة أبي الطمحان منسوبة إلى جدّه القين بن جسر. يقول: إنه منقطع عن قبيلته وأهل نصرته بما يقوم بينه وبينهم من مفازة وجبل، فلا مناص من أداء دية الغلام المقتول. وإذا كان في أدائها معنى من معاني الذل، لأن جرح العجماء جبار (بضم الجيم) وهو يذهب هدرا، فإن العزيز يذل إذا وقع في مثل ما وقع فيه أبو الطمحان.

(٧) وفي «الحماسة»: «ويروى قبل صدح الصوادح». والصدح: شدّة صوت الديك والغراب وغيرهما.

(٨) النشوز: ارتفاع الشيء عن موضعه، ونشوز النفس بين الجوانح: خروجها منها عند الموت. وفي «الحماسة»: «وقبل ارتقاء النفس فوق الجوانح». والجوانح: ضلوع الصدر. وارتقاء النفس فوقها: بلوغها التراقي.

(٩) راح أصحابي: رجعوا في العشية إلى منازلهم وبقيت في قبري منفردا.