أخبار الأسود ونسبه
  ولكنّ تيحان ابن عاقرة استها ... له ذنب(١) من أمره وتوابع
  قال: فلمّا رأى الأسود أنهم لا يقلعون عن الفرس أو يردّوها، أحلفهم عليها فحلفوا أنهم خفراء لها، فردّ الفرس عليهم وأمسك أمهارها، فردّوا الفرس إلى صاحبها. ثم أظهر الأمهار بعد ذلك، فأوعدوه فيها أن يأخذوها.
  فقال الأسود:
  أحقّا بني أبناء سلمى بن جندل ... وعيدكم إياي وسط المجالس
  فهلَّا جعلتم نحوه من وعيدكم ... على رهط قعقاع ورهط ابن حابس
  / هم منعوا منك تراث أبيكم ... فصار التّراث للكرام الأكايس
  هم أوردوكم ضفّة البحر طاميا ... وهم تركوكم بين خاز(٢) وناكس(٣)
  رثاؤه مسروق بن المنذر النهشلي وكان كثير البر به
  وقال أبو عمرو: كان مسروق بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل سيّدا جوادا، وكان مؤثرا للأسود بن يعفر، كثير الرّفد له والبرّ به. فمات مسروق واقتسم أهله ماله، وبان فقده على الأسود بن يعفر فقال يرثيه:
  أقول لمّا أتاني هلك سيّدنا ... لا يبعد اللَّه ربّ الناس مسروقا
  من لا يشيّعه(٤) عجز ولا بخل ... ولا يبيت لديه اللَّحم موشوقا(٥)
  مردى حروب(٦) إذا ما الخيل ضرّجها(٧) ... نضخ الدماء وقد كانت أفاريقا(٨)
  والطاعن الطعنة النّجلاء تحسبها ... شنّا(٩) هزيما(١٠) يمجّ الماء مخروقا
  وجفنة(١١) كنضيح(١٢) البئر متأقة(١٣) ... ترى جوانبها باللحم مفتوقا(١٤)
  يسّرتها ليتامى أو لأرملة ... وكنت بالبائس المتروك محقوقا(١٥)
  يا لهف أمّي إذ أودى وفارقني ... أودى ابن سلمى نقيّ العرض مرموقا
(١) له ذنب: لأمره عواقب.
(٢) الخازي، من خزي بالكسر يخزي خزيا، إذا ذل وهان، كما فسرها البغدادي في «الخزانة».
(٣) الناكس: المطأطئ رأسه.
(٤) يشيعه: يصحبه ويتبعه.
(٥) الموشوق: المقدد. يقال وشق اللحم بشقه إذا شرحه وقدّده، يقول: إنه لكرمه لا يدّخر اللحم إلى غد.
(٦) مردى حروب: شجاع صبور عليها، غالب؛ وأصل المردى: الحجر الَّذي تكسر به الصخور، ويكسر به النوى، وأكثر ما يقال في الحجر الثقيل.
(٧) ضرجها: لطخها.
(٨) الأفاريق: جمع أفراق، وأفراق جمع فرقة وهي: الطائفة والجماعة.
(٩) الشن: القربة القديمة الصغيرة.
(١٠) الهزيم: اليابس المتكسر.
(١١) الجفنة: القصعة.
(١٢) نضيح البئر: حوضها.
(١٣) المتاقة: الممتلئة.
(١٤) المفتوق: المشقوق. قال في «اللسان» «مادة فتق» بعد أن ذكر هذا الشطر: «إنما أراد مفتوقة فأوقع الواحد موقع الجماعة». وفي ط و «اللسان»: ... بالشحم مفتوقا».
(١٥) المحقوق هنا: الخليق. قال في «اللسان»: «قال شمر: تقول العرب: حق علي أن أفعل ذلك، وحق، وإني لمحقوق أن أفعل خيرا، وهو حقيق به، ومحقوق به، أي خليق له، والجمع أحقاء ومحقوقون».