أخبار الأسود ونسبه
  ما أجاب به بنته وقد لامته على جوده
  وقال أبو عمرو: عاتبت سلمى بنت الأسود بن يعفر أباها على إضاعته ماله فيما ينوب قومه من حمالة(١) وما يمنحه فقراءهم ويعين به مستمنحهم، فقال لها:
  وقالت لا أراك تليق شيئا ... أتهلك ما جمعت وتستفيد(٢)
  فقلت بحسبها يسر وعار ... ومرتحل إذا رحل الوفود(٣)
  فلومي إن بدالك أو أفيقي ... فقبلك فاتني وهو الحميد
  أبو العوراء لم أكمد عليه ... وقيس فاتني وأخي يزيد
  مضوا لسبيلهم وبقيت وحدي ... وقد يغني رباعته الوحيد(٤)
  / فلو لا الشامتون أخذت حقّي ... وإن كانت بمطلبه كؤود(٥)
  ويروى:
  وإن كانت له عندي كؤود
  ما قاله في ابنه جراح وكان ضئيلا وضعيفا
  قال أبو عمرو: وكان الجرّاح بن الأسود في صباه ضئيلا ضعيفا، فنظر إليه الأسود وهو يصارع صبيّا من الحيّ - وقد صرعه الصبيّ - والصبيان يهزؤن منه، فقال:
  سيجرح جرّاح وأعقل ضيمه ... إذا كان مخشيّا من الضّلع المبدي(٦)
  فآباء جرّاح ذؤابة دارم ... وأخوال جرّاح سراة بني نهد
  قال: وكانت أمّ الجرّاح أخيذة، أخذها الأسود من بني نهد في غارة أغارها عليهم.
  ما قاله لما أسنّ وكف بصره
  وقال أبو عمرو: لمّا أسنّ الأسود بن يعفر كفّ بصره، فكان يقاد إذا أراد مذهبا. وقال في ذلك:
  قد كنت أهدي ولا أهدى فعلَّمني ... حسن المقادة أني أفقد البصرا
  أمشي وأتبع جنّابا ليهديني ... إنّ الجنيبة مما تجشم الغدرا(٧)
  الجنّاب: الرجل الَّذي يقوده كما تقاد الجنيبة. الجشم: المشي ببطء. والغدر: مكان ليس مستويا.
(١) الحمالة: ما يحمله عنهم من مغارم.
(٢) يقال: فلان ما يليق شيئا أي ما يمسك شيئا.
(٣) اليسر: القوم المجتمعون على الميسر. والعاري: الَّذي يعرو القوم يلتمس معروفهم. والمرتحل: الَّذي يرتحل البعير، أي يركبه بالقتب.
(٤) الرباعة، بالفتح وبالكسر: الشأن والأمر وهي القبيلة أيضا.
(٥) كؤد صفة لموصوف محذوف وهو العقبة الَّتي تعترض من الطريق، وكان تامة. ورواية ط:
فلو لا الشامتون لأخذ حقي ... وإن كانت بمطلبه كؤود
(٦) أعقل: أحمل عنه. الضلع: الاعوجاج خلقة. والمعنى أن هذا العيب لا يمنع من أنه سيقوى فآباؤه وأخواله رؤساء وسادة ولن يتخلف عن صفاتهم وشمائلهم. والمبدي، لعلها «المندي» بالنون، أي المخزي.
(٧) جناب بضم الجيم لا بالفتح: الَّذي يسير مع الرجل إلى جنبه (كما ورد في «اللسان»). والجنيبة: الدابة تقاد. والغدر: ما واراك وسد بصرك.