أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه
  فقلنا لهم تلكم إذا بعد كرة ... تغادر صرعى نهضها متخاذل(١)
  وقتلى نفوس في الحياة زهيدة ... إذا اشتجر الخطَّيّ والموت نازل
  نراجعهم في قالة بدؤا بها ... كما راجع الخصم البذيّ المناقل(٢)
  لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل ... ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل
  عامل مكة أخذ بحق بني عقيل ويقتل جعفر بن علبة
  قال: فاستعدت عليهم بنو عقيل السّريّ بن عبد اللَّه الهاشميّ عامل مكة لأبي جعفر؛ فأرسل إلى أبيه علبة بن ربيعة فأخذه بهم، وحبسه حتى دفعهم وسائر من كان معهم إليه، فأما النضر فاستقيد(٣) منه بجراحة(٤)، وأمّا عليّ بن جعدب فأفلت من الحبس، وأما جعفر بن علبة فأقامت عليه بنو عقيل قسامة(٥): أنه قتل صاحبهم فقتل به.
  هذه رواية أبي عمرو.
  وذكر ابن الكلبيّ أن الَّذي هاج الحرب بين جعفر بن علبة وبني عقيل أن إياس بن يزيد الحارثيّ وإسماعيل بن أحمر العقيليّ اجتمعا عند أمة لشعيب بن صامت الحارثيّ، وهي في إبل لمولاها في موضع يقال له صمعر من بلاد بلحارث(٦)، فتحدّثا / عندها فمالت إلى العقيليّ، / فدخلتهما مؤاسفة(٧) حتى تخانقا بالعمائم، فانقطعت عمامة الحارثيّ وخنقه العقيليّ حتّى صرعه، ثم تفرّقا. وجاء العقيليّون إلى الحارثيّين فحكَّموهم فوهبوا لهم، ثم بلغهم بيت قيل، وهو:
  ألم تسأل العبد الزياديّ ما رأى ... بصمعر والعبد الزياديّ قائم
  فغضب إياس من ذلك فلقي هو وابن عمه النضر بن مضارب ذلك العقيليّ، وهو إسماعيل بن أحمر، فشجه شجّتين وخنقه؛ فصار الحارثيّون إلى العقيليّين فحكموهم فوهبوا لهم. ثم لقى العقيليون جعفر بن علبة الحارثيّ فأخذوه فضربوه وخنقوه وربطوه وقادوه طويلا ثم أطلقوه. وبلغ ذلك إياس بن يزيد فقال يتوجع لجعفر:
  أبا عارم كيف اغتررت ولم تكن ... تغرّ إذا ما كان أمر تحاذره
  فلا صلح حتى يخفق(٨) السيف خفقة ... بكفّ فتى جرّت عليه جرائره
  ثم إن جعفر بن علبة تبعهم ومعه ابن أخيه جعدب، والنضر بن مضارب، وإياس بن يزيد، فلقوا المهديّ بن عاصم وكعب بن محمّد بحبرّ - وهو موضع بالقاعة(٩) - فضربوهما ضربا مبرّحا، ثم انصرفوا فضلَّوا عن الطريق، فوجدوا العقيليّين وهم تسعة، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى خلَّى لهم العقيليون الطريق ثم مضوا حتى وجدوا من عقيل جمعا آخر
(١) في ط: «بعد عركة».
(٢) المناقل: الَّذي يتحدّث مع غيره ويراجعه.
(٣) استقيد منه: اقتص منه.
(٤) الجراحة: الضربة أو الطعنة.
(٥) القسامة: الجماعة يقسمون على الشيء أو يشهدون. ويمين القسامة منسوبة إليهم. وراجع «اللسان» (مادة قسم) ففيه تفصيل واف عن القسامة.
(٦) هم بنو الحارث بن كعب، كما في «معجم البلدان».
(٧) المؤاسفة: المغاضبة.
(٨) خفق السيف: اضطرابه. وفي ط: «خفقة» بالتاء.
(٩) الَّذي في «معجم البلدان» و «معجم ما استعجم» أنه جبل لبني سليم. وأنشد لابن مقبل:
سل الدار من جنبي حبر فواهب ... إذا ما رأى هضب القليب المضيح