أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه
  فراح بهم قوم ولا قوم عندهم ... مغلَّلة أيديهم في السلاسل
  ورب أخ لي غاب لو كان شاهدا ... رآه التباليّون(١) لي غير خاذل
  وقال علبة أيضا لامرأته أمّ جعفر قبل أن يقتل جعفر:
  لعمرك إن الليل يا أمّ جعفر ... عليّ وإن علَّلتني لطويل
  أحاذر أخبارا من القوم قد دنت ... ورجعة أنقاض لهنّ دليل(٢)
  فأجابته فقالت:
  أبا جعفر أسلمت للقوم جعفرا ... فمت كمدا أو عش وأنت ذليل
  بنت يحيى بن زياد تبكيه وتستجيد له الكفن وترثيه بأبياته
  قال أبو عمرو في روايته: وذكر شداد بن إبراهيم أن بنتا ليحيى بن زياد بن عبيد اللَّه الحارثيّ حضرت الموسم في ذلك العام لما قتل فكفّنته واستجادت له الكفن، وبكته وجميع من كان معها من جواريها، وجعلن يندبنه بأبياته الَّتي قالها قبل قتله:
  أحقا عباد اللَّه أن لست رائيا ... صحاريّ نجد والرياح الذّواريا
  وقد تقدمت في صدر أخباره. وفي هذه القصيدة يقول جعفر:
  وددت معاذا كان فيمن أتانيا
  / فقال معاذ يجيبه عنها بعد قتله، ويخاطب أباه، ويعرّض له أنه قتل ظلما لأنهم أقاموا قسامة كاذبة عليه حين قتل، ولم يكونوا عرفوا القاتل من الثلاثة بعينه، إلا أن غيظهم على جعفر حملهم على أن ادّعوا القتل عليه:
  أبا جعفر سلَّب بنجران واحتسب ... أبا عارم والمسمنات العواليا(٣)
  وقوّد قلوصا أتلف السّيف ربها ... بغير دم في القوم إلا تماريا(٤)
  إذا ذكرته معصر(٥) حارثيّة ... جرى دمع عينيها على الخد صافيا
  فلا تحسبنّ الدّين يا علب منسأ ... ولا الثائر الحرّان ينسى التقاضيا
  سنقتل منكم بالقتيل ثلاثة ... ونغلي وإن كانت دماء غواليا
  تمنيت أن تلقى معاذا سفاهة ... ستلقى معاذا والقضيب اليمانيا
  ووجدت الأبيات القافيّة الَّتي فيها الغناء في نسخة النّضر بن حديد أتمّ مما ذكره أبو عمرو الشيبانيّ. وأوّلها:
  ألا هل إلى فتيان لهو ولذّة ... سبيل وتهتاف الحمام المطوق(٦)
(١) التباليون: المنسوبون إلى تبالة، وهو بلد باليمن.
(٢) الأنقاض: جمع نقض (بالكسر)، وهو المهزول من الإبل والخيل كأن السفر نقض بنيته. «ذليل» بدل «دليل» وفي «مختار الأغاني»:
«هزيل».
(٣) سلب: ألبس ثياب الحداد السود. والأصل في التسلب أن يكون للمرأة الَّذي يموت زوجها أو حميمها. يقال تسلب المرأة إذا لبست ثياب المأتم السود. والمسمنات: ذوات السمنة.
(٤) قوّد: اجعلها تقاد ولا تركب. والقلوص: الشابة أو الباقية على السير، وأوّل ما يركب من إناثها إلى أن تثنى ثم هي ناقة والناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث. تماريا: تكذيبا.
(٥) المعصر: الجارية الَّتي بلغت عصر شبابها وأدركت.
(٦) المطوق من الحمام: ما كان له طوق في عنقه.