كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العجير السلولي ونسبه

صفحة 52 - الجزء 13

  /

  أزمان تعجبني جمل وأكتمه ... جملا حياء، وما وجد كما أجد

  فقد برئت على أني إذا ذكرت ... ينهلّ دمعي وتحيا غصّة تلد⁣(⁣١)

  من عهد سلمى الَّتي هام الفؤاد بها ... أزمان أزمان سلمى طفلة رؤد⁣(⁣٢)

  قد قلت للكاشح المبدي عداوته ... قد طالما كان منك الغشّ والحسد

  ألا تبيّن لي لا زلت تبغضني ... حتّام أنت إذا ما ساعفت ضمد⁣(⁣٣)

  وصية عبد الملك لمؤدب ولده أن يرويهم مثل قول العجير

  وقال ابن حبيب: قال عبد الملك لمؤدّب ولده: إذا روّيتهم شعرا فلا تروّهم إلَّا مثل قول العجير السلولي:

  يبين الجار حين يبين عنّي ... ولم تأنس إليّ كلاب جاري

  وتظعن جارتي من جنب بيتي ... ولم تستر بستر من جداري⁣(⁣٤)

  وتأمن أن أطالع حين آتي ... عليها وهي واضعة الخمار

  كذلك هدي ابائي قديما ... توارثه النّجار عن النّجار

  فهديي هديهم وهم افتلوني ... كما افتلي العتيق من المهار⁣(⁣٥)

  / وقال ابن حبيب أيضا: نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه، فلما سكر قام إلى جمله فعقره، وأخرج كبده وجبّ سنامه، فجعل يشوى ويأكل ويطعم ويغني:

  علَّلاني إنما الدنيا علل ... واسقياني عللا بعد نهل⁣(⁣٦)

  وانشلا لي اللحم من قدريكما ... واصبحاني أبعد اللَّه الجمل⁣(⁣٧)

  فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به، فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم أعطوه جملا وزوّدوه، فانصرف حتّى لحق بقومه.

  أخبرني عمّي بهذا الخبر قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال: حدّثني أبي عن عمّه فقال فيه:

  مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم، وذكر باقي القصّة نحوا مما ذكر ابن حبيب، ولم يقل فيها: - فلما أصبح جعل يبكي ويصيح: واغربتاه! - ولكنه قال: فلمّا أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره.


(١) ينهل دمعي: يشتدّ انصبابه. والغصة: ما يعترض في الحلق ويدفع بالماء. قال الشاعر:

لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري

وتلد بفتح التاء واللام، وهي لغة في التلاد، وهو القديم.

(٢) الرؤد: الشابة الحسنة. وانظر ما مضى من الكلام على تكرار الظرف في حواشي ص ٦٨.

(٣) الضمد، يقال ضمد فلان على فلان: حقد عليه.

(٤) في ط «حذار» بالحاء بدل الجيم.

(٥) افتلوني، يقال فلا الصبي والمهر فلوا وأفلاه وافتلاه: عزله عن الرضاع وفصله. وافتليته: فطمته أي: فطموني عن جهل الصبا وعقلت. والعتيق: الفرس الرائع الكريم. والمهار، بكسر الميم: جمع مهر بالضم، وهو ولد الفرس.

(٦) عللاني: أشغلاني بطعام وحديث ونحوهما. والعلل: الشرب الثاني. والنهل: الشرب الأوّل.

(٧) انشلاه: أخرجاه باليد من غير مغرفة. اصبحاني: اسقياني الصبوح من لبن النوق.