أخبار العجير السلولي ونسبه
  /
  أزمان تعجبني جمل وأكتمه ... جملا حياء، وما وجد كما أجد
  فقد برئت على أني إذا ذكرت ... ينهلّ دمعي وتحيا غصّة تلد(١)
  من عهد سلمى الَّتي هام الفؤاد بها ... أزمان أزمان سلمى طفلة رؤد(٢)
  قد قلت للكاشح المبدي عداوته ... قد طالما كان منك الغشّ والحسد
  ألا تبيّن لي لا زلت تبغضني ... حتّام أنت إذا ما ساعفت ضمد(٣)
  وصية عبد الملك لمؤدب ولده أن يرويهم مثل قول العجير
  وقال ابن حبيب: قال عبد الملك لمؤدّب ولده: إذا روّيتهم شعرا فلا تروّهم إلَّا مثل قول العجير السلولي:
  يبين الجار حين يبين عنّي ... ولم تأنس إليّ كلاب جاري
  وتظعن جارتي من جنب بيتي ... ولم تستر بستر من جداري(٤)
  وتأمن أن أطالع حين آتي ... عليها وهي واضعة الخمار
  كذلك هدي ابائي قديما ... توارثه النّجار عن النّجار
  فهديي هديهم وهم افتلوني ... كما افتلي العتيق من المهار(٥)
  / وقال ابن حبيب أيضا: نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه، فلما سكر قام إلى جمله فعقره، وأخرج كبده وجبّ سنامه، فجعل يشوى ويأكل ويطعم ويغني:
  علَّلاني إنما الدنيا علل ... واسقياني عللا بعد نهل(٦)
  وانشلا لي اللحم من قدريكما ... واصبحاني أبعد اللَّه الجمل(٧)
  فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به، فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم أعطوه جملا وزوّدوه، فانصرف حتّى لحق بقومه.
  أخبرني عمّي بهذا الخبر قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال: حدّثني أبي عن عمّه فقال فيه:
  مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم، وذكر باقي القصّة نحوا مما ذكر ابن حبيب، ولم يقل فيها: - فلما أصبح جعل يبكي ويصيح: واغربتاه! - ولكنه قال: فلمّا أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره.
(١) ينهل دمعي: يشتدّ انصبابه. والغصة: ما يعترض في الحلق ويدفع بالماء. قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
وتلد بفتح التاء واللام، وهي لغة في التلاد، وهو القديم.
(٢) الرؤد: الشابة الحسنة. وانظر ما مضى من الكلام على تكرار الظرف في حواشي ص ٦٨.
(٣) الضمد، يقال ضمد فلان على فلان: حقد عليه.
(٤) في ط «حذار» بالحاء بدل الجيم.
(٥) افتلوني، يقال فلا الصبي والمهر فلوا وأفلاه وافتلاه: عزله عن الرضاع وفصله. وافتليته: فطمته أي: فطموني عن جهل الصبا وعقلت. والعتيق: الفرس الرائع الكريم. والمهار، بكسر الميم: جمع مهر بالضم، وهو ولد الفرس.
(٦) عللاني: أشغلاني بطعام وحديث ونحوهما. والعلل: الشرب الثاني. والنهل: الشرب الأوّل.
(٧) انشلاه: أخرجاه باليد من غير مغرفة. اصبحاني: اسقياني الصبوح من لبن النوق.