كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خزيمة بن نهد ونسبه

صفحة 56 - الجزء 13

  فقالوا لها: فما ترين يا زرقاء؟ فقالت: «مقام وتنوخ، ما ولد مولود وأنقفت⁣(⁣١) فروخ⁣(⁣٢)، إلى أن يجيء غراب أبقع، أصمع⁣(⁣٣) أنزع⁣(⁣٤)، عليه خلخالا ذهب، فطار فألهب⁣(⁣٥)، ونعق فنعب، يقع على النخلة السّحوق⁣(⁣٦)، بين الدّور والطريق، فسيروا على وتيرة، ثم الحيرة الحيرة!». فسمّيت تلك القبائل تنوخ لقول الزرقاء: «مقام وتنوخ». ولحق بهم قوم من الأزد فصاروا إلى الآن في تنوخ، ولحق سائر قضاعة موت ذريع؛ وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة يقال لهم: بنو تزيد، فنزلوا عبقر من أرض الجزيرة، فنسج نساؤهم الصّوف وعملوا منه الزرابيّ⁣(⁣٧)؛ فهي الَّتي يقال لها العبقرية، وعملوا البرود الَّتي يقال لها التّزيدية⁣(⁣٨). وأغارت عليهم الترك، فأصابتهم، وسبت منهم. فذلك قول عمرو بن مالك:

  ألا للَّه ليل لم ننمه ... على ذات الخضاب مجنبّينا⁣(⁣٩)

  وليلتنا بآمد لم ننمها ... كليلتنا بميّا فارقينا⁣(⁣١٠)

  بهراء تلحق بالبرك وتهزمهم

  وأقبل الحارث بن قراد البهرانيّ ليعيث في بني حلوان، فعرض له أباغ بن سليح صاحب العين⁣(⁣١١)، فاقتتلا، فقتل أباغ، ومضت بهراء حتى لحقوا بالترك، فهزموهم واستنقذوا ما في أيديهم من بني تزيد. فقال الحارث بن قراد في ذلك:

  كأنّ الدهر جمّع في ليال ... ثلاث بتّهن بشهرزور⁣(⁣١٢)

  صففنا للأعاجم من معدّ ... صفوفا بالجزيرة كالسّعير

  سليح بن عمرو ونزولها ناحية فلسطين

  وسارت سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة حتى نزلوا ناحية فلسطين على بني أذينة بن السّميدع من عاملة. وسارت أسلم بن الحاف وهي عذرة ونهد وحوتكة وجهينة والحارث بن سعد، حتى نزلوا من الحجر إلى وادي القرى، ونزلت تنوخ / بالبحرين سنتين. ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب وهم في مجلسهم، فسقط على نخلة في الطريق، فينعق نعقات ثم طار؛ فذكروا قول الزرقاء، فارتحلوا حتّى نزلوا الحيرة.


(١) أنفقت فروخ، بالنون والقاف: ثقبت بيضها وخرجت.

(٢) الفروخ: جمع فرخ: وهو ولد الطير.

(٣) الإصمع: صغير الأذن.

(٤) الأبرع: منحسر الشعر من جانبي الجبهة.

(٥) ألهب: اشتدّ في طيرانه كما يلهب الفرس في عدوه.

(٦) السحوق: الطويلة.

(٧) الزرابي: الوسائد والبسط، أو كل ما اتكئ عليه.

(٨) في ط «الزيدية» وهو تحريف.

(٩) المجنبون: الذين انقطعت ألبان إبلهم.

(١٠) ميافارقين بفتح أوله وتشديد ثانيه: أشهر مدينة بديار بكر.

(١١) أي العين المشهورة بعين أباغ.

(١٢) شهرزور: معنى شهر بالفارسية: المدينة. قال مسعر بن مهلهل الأديب: شهرزور: مدينات وقرى فيها مدينة كبيرة، وهي قصبتها في وقتنا هذا يقال لها نيم أزراي. ومن طريف ما ورد فيها قول أبي محمّد جعفر بن أحمد السراج:

وعدت بأن تزوري بعد شهر ... فزوري قد تقضي الشهرزوري

وموعد بيننا نهر المعلى ... إلى البلد المسمى شهرزور

فأشهر صدك المحتوم حق ... ولكن شهر وصلك شهرزور