أخبار مجنون بني عامر ونسبه
  أخذت محاسن كلّ ما ... ضنّت محاسنه بحسنه
  كاد الغزال يكونها ... لولا الشّوى(١) ونشوز قرنه
  لقب بالمجنون كثير غيره وكلهم كان يشبب بليلى
  وأخبرني عمر بن عبد اللَّه بن جميل العتكيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
  سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامريّ فقال: عن أيّهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون، فعن أيّهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبّب بليلى، فقال: كلَّهم كان يشبّب بليلى، قلت: فأنشدني لبعضهم، فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون:
  ألا أيّها القلب الذي لجّ هائما ... بليلى(٢) وليدا لم تقطَّع تمائمه
  أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى(٣) ... لك اليوم أن تلقى طبيبا تلائمه
  أجدّك(٤) لا تنسيك ليلى ملمّة ... تلمّ ولا عهد يطول تقادمه
  / قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب(٥) المجنون:
  ألا طالما لاعبت ليلى وقادني ... إلى اللَّهو قلب للحسان تبوع
  وطال امتراء(٦) الشّوق عيني(٧) كلَّما ... نزفت دموعا تستجدّ دموع
  فقد طال إمساكي على الكبد التي(٨) ... بها من هوى ليلى الغداة صدوع
  قلت: فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشدني لمهديّ بن الملوّح:
  لو أنّ لك الدنيا وما عدلت به ... سواها وليلى بائن عنك بينها(٩)
  لكنت إلى ليلى فقيرا وإنما ... يقود إليها ودّ نفسك حينها
  قلت له: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك! فو اللَّه إنّ في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم.
(١) الشوي: الأطراف.
(٢) كذا في ت. وفي باقي النسخ: «وليدا بليلى».
(٣) أنى: حان وقرب. وفي ت «وتزيين الأسواق» لداود الأنطاكيّ: «أبى».
(٤) قال أبو عمرو: أجدّك لا تفعل بفتح الجيم وكسرها والكسر أفصح. ومعناه مالك أجدّا منك! وهو منصوب على المصدر. وقال ثعلب: ما أتاك في الشعر من قولك أجدّك فهو بالكسر فإذا قلت بالواو وجدّك فتحت وإنما وجب الفتح لأنه صار قسما، فكأنه حلف بجدّه والد أبيه.
(٥) كذا في ب، س وسيأتي قريبا مصغرا في جميع النسخ عدا نسخة ت.
(٦) الامتراء: الاستدرار.
(٧) في ب، س، ح: «عنى» وهو تحريف.
(٨) في م، ء: «الذي» والكبد مؤنثة وقد اقتصر ابن جني فيها على التأنيث وكذلك قال اللحيانيّ: هي مؤنثة فقط وذكر صاحب «القاموس» الوجهين حيث قال: وقد يذكر ونسب شارحه وجه التذكير إلى الفرّاء وغيره.
(٩) بينها معناه وصلها لأنه من أسماء، الأضداد، يطلق على الوصل والفراق، وربما كان من اسناد الفعل إلى مصدره كجن جنونه وجدّ جدّه وضلّ ضلاله. وفي ب، س، ح: «حائن» وهو تحريف.