كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه

صفحة 150 - الجزء 13

  النبي يدعو لدوس بالهداية

  ثم أتى الطفيل بن عمرو النبيّ ومعه أبو هريرة، فقال له: ما وراءك؟ فقال: بلاد حصينة وكفر شديد.

  فتوضأ النبي ثم قال: «اللهم اهد دوسا» ثلاث مرات. قال أبو هريرة: فلما صلَّى النبي خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا، فصحت: وا قوماه! فلما دعا لهم سرّي عني، ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه، فقال له: لم أحبّ هذا منك يا رسول اللَّه. فقال له: إن فيهم مثلك كثيرا. وكان جندب بن عمرو بن حممة / بن عوف بن غويّة بن سعد بن الحارث بن ذبيان بن عوف بن منهب بن دوس يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقا لا أعلم ما هو.

  فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجلا حتى أتى النبي . فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: ما زلت ألوي الآجرة⁣(⁣١) بيدي، ثم لويت على وسطي حتى كأنّي بجاد⁣(⁣٢) أسود، وكان جندب يقرّبهم إلى النبيّ رجلا رجلا، فيسلمون.

  سبب أبيات الغناء

  وهذه الأبيات الَّتي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل، قالها في حرب كانت بين دوس وبين بني الحارث بن عبد اللَّه بن عامر بن الحرث بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران.

  وكان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرّح بن النعمان بن الجبّار بن سعد بن الحارث بن عبد اللَّه بن عامر بن الحارث بن يشكر، سيد آل الحارث، كان يقول لقومه: أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلان رياستكم. وكان ضماد يتعيف⁣(⁣٣)، وكان آل الحارث يسودون العشيرة كلَّها، فكانت دوس أتباعا لهم، وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان، ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة، فقال غلامان من بني الحارث يوما: ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم الَّذي ينتهون إلى أمره فلنقتله⁣(⁣٤). فأتياه، فقالا: يا عم، إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه. فأخرجاه من منزله، فلما تنحيا به قال له أحدهما: يا عم، إن رجلي قد دخلت فيها شوكة، فأخرجها لي. فنكس الشيخ رأسه لينتزعها وضربه الآخر فقتله، فعمدت دوس إلى سيّد بني الحارث، وكان نازلا بقنونى⁣(⁣٥) فأقاموا له في غيضة في الوادي، وسرحت إبله فأخذوا / منها ناقة فأدخلوها الغيضة وعقلوها، فجعلت الناقة ترغو وتحنّ إلى الإبل، فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة، فوثبوا عليه فقتلوه، ثم أتوا أهله، وعرفت بنو الحارث الخبر، فجمعوا لدوس وغزوهم فنذروا⁣(⁣٦) بهم فقاتلوهم فتناصفوا، وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم، ثم إنّ دوسا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجلا، فقالوا: من يكلَّمنا، من يمانينا⁣(⁣٧) حتّى نغزو أهل ضماد؟ فكان ضماد قد أتى عكاظ، فأرادوا أن يخالفوه / إلى أهله، فمرّوا برجل من دوس وهو يتغنى:

  فإنّ السلم زائدة نواها ... وإنّ نوى المحارب لا تروب⁣(⁣٨)

  فقالوا: هذا لا يتبعكم، ولا ينفعكم أن تبعكم، أما تسمعون غناءه في السّلم. فأتوا حممة بن عمرو، فقالوا: أرسل إلينا بعض ولدك. فقال: وأنا إن شئتم. وهو عاصب حاجبيه من الكبر، فأخرج معهم ولده جميعا، وخرج معهم،


(١) الآجرة: واحدة الآجر، الطين المحروق.

(٢) البجاد: كساء مخطط من أكسية الأعراب يشتملون به. وفي الأصل: «كان بجاد».

(٣) يتعيف: يتكهن.

(٤) فلنقتله في س، ش أما في ح فبالياء بدل النون وهو تحريف.

(٥) قنوني: من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة.

(٦) يقال نذر بالعدوّ بكسر. الذال نذرا: علمه فحذره.

(٧) ماناه: لزمه، وانتظره، وداراه. في الأصول: «يمانين».

(٨) تروب: تفتر. وفي ح «ترود».