كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه

صفحة 151 - الجزء 13

  وقال لهم: تفرّقوا فرقتين، فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا، وإياكم والغارة حتّى تتفارقوا لا يقتل بعضكم بعضا. ففعلوا، فلم يلتفتوا حتّى قتلوا ذلك الحيّ من آل الحارث، وقتلوا ابنا لضماد، فلما قدم قطع أذني ناقته وذنبها، وصرخ في آل الحارث، فلم يزل يجمعهم سبع سنين ودوس تجتمع بإزائه، وهم مع ذلك يتغاورون⁣(⁣١) ويتطرّف بعضهم بعضا⁣(⁣٢)، وكان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ: إن كنت تحرز⁣(⁣٣) أهلي، وإلَّا أقمت عليهم. فقال له: أنا أحرزهم من مائة؛ فإن زادوا فلا. وكانت تحت ضماد امرأة من دوس، وهي أخت مربان⁣(⁣٤) بن سعد الدوسيّ الشاعر، فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها / أخوها، فلاذت به، وضمّت فخذها على ابنها من ضماد، وقالت: يا أخي اصرف عنّي القوم، فإنيّ حائض لا يكشفوني. فنكزسية القوس في درعها، وقال: لست بحائض، ولكن في درعك سخلة بكذا من آل الحارث، ثم أخرج الصبيّ فقتله، وقال في ذلك:

  ألا هل أتى أمّ الحصين ولو نأت ... خلافتنا في أهله ابن مسرّح

  ونضرة تدعو بالفناء وطلقها ... ترائبه ينفحن من كلّ منفح⁣(⁣٥)

  وفرّ أبو سفيان لما بدا لنا ... فرار جبان لأمّه الذلّ مقرح⁣(⁣٦)

  يوم حضرة الوادي

  قال: فلم يزالوا يتغاورون حتّى كان يوم حضرة الوادي، فتحاشد الحيّان، ثم أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم، ووقف ضماد بن مسرّح في رأس الجبل، وأتتهم دوس. وأنزل خالد بن ذي السبلة بناته هندا وجندلة وفطيمة ونضرة، فبنين بيتا، وجعلن يستقين الماء، ويحضّضن⁣(⁣٧). وكان الرجل إذا رجع فارّا أعطينه مكحلة ومجمرا⁣(⁣٨)، وقلن: معنا فانزل - أي إنك من النساء - وجعلت هند بنت خالد تحرّضهم وترتجز وتقول:

  من رجل ينازل الكتيبه ... فذلكم تزني به الحبيبه

  فلما التقوا رمى رجل من دوس رجلا من آل الحارث، فقال: خذها وأنا أبو الزبن⁣(⁣٩)، فقال ضماد وهو في رأس الجبل وبنو الحارث بحضرة الوادي: يا قوم زبنتم فارجعوا. ثم رجل آخر⁣(⁣١٠) من دوس، فقال: خذها وأنا أبو ذكر⁣(⁣١١). فقال ضماد: ذهب القوم / بذكرها، فاقبلوا رأيي وانصرفوا. فقال: قد جبنت يا ضماد. ثم التقوا، فأبيدت بنو الحارث. هذه رواية أبي عمرو.

  وأما الكلبي فإنه قال: كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف ويقال لبنيه الغطاريف، وكان لهم ديتان،


(١) يتغاورون بالغين المعجمة: يغير بعضهم على بعض.

(٢) يقال: تطرف عليهم، أي أغار. «اللسان» (طرف).

(٣) تحرز: تحصن.

(٤) مران في س، ش بالباء، أما في ح فبالنون بدل الباء.

(٥) نضرة وردت في ح بالصاد المهملة. والطلق، أصل معناه الظبي، ويقال أيضا: ناقة طلق: لا عقال عليها. والترائب: عظام الصدر.

ينفحن: ينضحن بالدم.

(٦) مقرح: مجروح.

(٧) التحضيض: الحث.

(٨) المكحلة: وعاء الكحل. والمجمر: ما يوضع فيه الجمر.

(٩) الزين: الدفع. وحرب زبون: يدفع بعضها بعضا. وزابنه: دافعه.

(١٠) أي ثم رمى رجل آخر.

(١١) أبو ذكر: أي أبو الصيت والثناء.