ورأت لمّا سقت كمدا ... أنّها في دينها نسكت

  ملَّئت كفّ بها ظفرت ... دون هذا الخلق ما ملكت

  أيّ ملك إذا خلا وخلت ... فشكا أشجانه وشكت

  تجتلي من وجهه ذهبا ... وهو يجلو فضّة فتكت⁣^(⁣١)

  هكذا فعل الفتاة إذا ... هي في عشّاقها محكت⁣^(⁣٢)

  هجاؤه لجار له يمشي مشية منكرة

  أخبرني الحسن بن علي، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدّثني بعض أصحابنا قال:

  نظر عبد الصمد بن المعذّل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة، وكان فقيرا رثّ الحال، فقال فيه:

  /

  يتمشّى في ثوب عصب من العر ... ى على عظم ساقه مسدول⁣^(⁣٣)

  دبّ في رأسه خمار من الجو ... ع سرى خمرة الرحيق الشمول⁣^(⁣٤)

  فبكى شجوه وحنّ إلى الخ ... بز ونادى بزفرة وعويل

  من لقلب متيّم برغيفي ... ن ونفس تاقت إلى طفشيل⁣^(⁣٥)

  ليس تسمو إلى الولائم نفسي ... جلّ قدر الأعراس عن تأميلي⁣^(⁣٦)

  هات لونا وقل لتلك تغنّي ... لست أبكي لدارسات الطَّلول⁣^(⁣٨)

  رثاؤه لأبي سلمة الطفيلي

  أخبرنا سوّار بن أبي شراعة، قال: كان بالبصرة طفيليّ يكنّى أبا سلمة، وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة، وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطَّوال، والطَّيالسة الرقاق⁣^(⁣٩)، فيقدّم ابنيه، فيدقّ الباب أحدهما ويقول:

  افتح يا غلام لأبي سلمة. ثم لا يلبث البواب حتى يتقدّم لآخر، فيقول: افح ويلك فقد جاء أبو سلمة. ويتلوهم، فيدقّون جميعا الباب، / ويقولون: بادر ويلك، فإنّ أبا سلمة واقف. فإن لم يكن عرفهم فتح لهم، وهاب منظرهم⁣^(⁣٩)، وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتفت إليهم، ومع كلّ واحد منهم فهر مدوّر يسمونه⁣^(⁣١٠) «كيسان»، فينتظرون حتّى يجيء بعض من دعي، فيفتح له الباب، فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب، فلا يقدر البواب على غلقه، ويهجمون عليه فيدخلون. فأكل أبو سلمة / يوما على بعض الموائد لقمة حارّة من فالوذج⁣^(⁣١١)، وبلعها لشدّة حرارتها، فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة، فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه:

(١) في الأصول: «من وجهه».

(٢) محكت: لجت وأمعنت. ومن معانيه عسر الخلق.

(٣) العصب: ضرب من البرود.

(٤) الخمار بضم الخاء: ألم الخمر وصداعها، ومثله الخمرة بالضم. والشمول: الباردة.

(٥) الطفشيل: نوع من المرق، أو ضرب من الطعام. انظر تحقيقه في «حواشي الحيوان» (٣: ٢٤). س، ش: «التطفيل».

(٦) التأميل: التثبت في الأمر والنظر.

(٧) روى «طولا» بدل «لونا».

(٨) القلانس: ألبسة الرأس. والطيالسة: ملابس سود. والرقاق هي في ح: «الزرق».

(٩) في س، ش: «وهاب منظرهم» أما في ح حذف هذه الجملة.

(١٠) الفهر: الحجر.

(١١) الفالوذج: حلوى من الماء والدقيق والعسل.