أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه
  من فتاة كأنها خوط بان ... مجّ فيها النعيم ماء الشباب(١)
  / إذ تغنّيك خلف سجف رقيق ... نغمات تحبّها بصواب(٢)
  شفّ عنها محقّق جنديّ ... فهي كالشّمس من خلال سحاب(٣)
  ربّ شعر قد قلته بتباه ... ويغرّى به ذو والألباب(٤)
  قد تركت الملحّنين إذا ما ... ذكروه قاموا على الأدناب(٥)
  قال: وشاعت الأبيات بالبصرة، فامتنع مولى الجارية من معاشرة الهاشميّ، وقطعه بعد ذلك.
  ما وقع بينه وبين ابني هشام الكرنباني وشعره في ذلك
  أخبرني محمّد بن عمران الصيرفيّ وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ، قال: حدّثني أحمد بن صالح الهاشميّ، قال:
  كان الحسين بن عبد اللَّه بن العباس بن جعفر بن سلمان مائلا إلى عبد الصمد بن المعذّل، وكان عبد الصّمد يهجو هشاما الكرنباني، فجرى عن ابني هشام الكرنباني - وهما أبو وائلة وإبراهيم - وبين الحرّ بن عبد اللَّه، لحاء في أمر عبد الصّمد، لأنّهما ذكراه وسبّاه، فامتعض له الحسين وسبّهما عنه، فرميا الحسين بابن المعذّل، ونسباه إلى أنّ عبد الصمد يرتكب القبيح، وبلغ الحسين ذلك، فلقيهما في سكة المربد، فشدّ عليهما بسوطه وهو راكب، فضربهما ضربا مبرّحا، وأفلت أبو وائلة، ووقع سبيب(٦) السّوط في عين إبراهيم، فأثر فيها أثرا قبيحا، فاستعان بمشيخة من آل سليمان بن علي، وهرب أبو وائلة إلى الأمير عليّ بن عيسى وهو والي البصرة، فوجّه معه / بكاتبه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد اللَّه، فطلبه وهرب حسين إلى المحدثة(٧)، فلما كان من الغد جاء حسين إلى صالح بن إسحاق بن سليمان، وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان، ومشيخة من آل سليمان، فصاروا معه إلى عليّ بن عيسى، وأقبل عبد الصمد بن المعذّل لما رآهم، فدخل معهم لنصرة حسين، فكلَّموا عليّ بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد، فقال: أصلح اللَّه الأمير، هؤلاء أهلك، وأجلَّة أهل مصرك(٨)، تصدّوا إليك في ابنهم وابن أخيهم، و [هو و] إن كان حدثا لا ينبسط للحجّة بحداثته(٩)، فإن هاهنا من يعبّر عنه، وقد قلت أبياتا، فإن رأى / الأمير أن يأذن(١٠) في إنشادها فعل. قال: قل. فأنشده عبد الصمد قوله:
  يا ابن الخلائف وابن كلّ مبارك ... رأس الدعائم سابق الأغصان
  إنّ العلوج على ابن عمك أصفقوا ... فأتوك عنه بأعظم البهتان(١١)
  قرفوه عندك بالتعدّي ظالما ... وهم ابتدوه بأعظم العدوان
(١) الخوط، بالضم: الغصن الناعم.
(٢) السجف: الستر. وفي الأصول: «سحق».
(٣) المحقق: المحكم النسج من الثياب، أو الَّذي له وشم على صورة الحق. والجند: بلد من بلاد اليمن.
(٤) في الأصول: «يتساه». يغري: من التغرية، وهي بمعنى الإغراء. يقال أغراه بالشيء وغراه به تغرية.
(٥) في الأصول: «الملتحين».
(٦) السبيب: ذرابة السوط. ح: «شيب» وفي سائر النسخ «سبب» صوابه ما أثبتنا.
(٧) المحدثة بضم الميم: ماء ونخل في بلاد العرب، ولها جبل يسمى عمود المحدثة.
(٨) أجلة، كذا وردت في النسخ. وصوابها وقياسها «جلة».
(٩) في س، ش: «لا ينسبك للخسة»، صوابه في ح.
(١٠) يأذن، وردت في ح: «يأذن لي».
(١١) العلوج: جمع علج وهو كبير العجم. أصفقوا: اجتمعوا.