كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مجنون بني عامر ونسبه

صفحة 336 - الجزء 2

  قال فأراد أن يقول: حيّ على الصلاة فقال: حيّ على البهم، حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم.

  وقال ابن الكلبيّ: حدّثني معروف المكيّ والمعلَّى بن هلال⁣(⁣١) وإسحاق بن الجصّاص قالوا:

  كان سبب عشق المجنون ليلى، أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة وعليه حلَّتان من حلل الملوك، فمرّ بامرأة من قومه يقال لها: كريمة، وعندها جماعة نسوة يتحدّثن فيهنّ ليلى، فأعجبهنّ جماله وكماله، فدعونه إلى النزول والحديث⁣(⁣٢)، فنزل وجعل يحدّثهنّ وأمر عبدا له كان معه فعقر لهنّ ناقته، وظلّ⁣(⁣٣) يحدّثهنّ بقية / يومه، فبينا هو كذلك، إذ طلع عليهم فتى عليه بردة⁣(⁣٤) من برد⁣(⁣٥) الأعراب يقال له: «منازل⁣(⁣٦) يسوق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهنّ وأنشأ يقول:

  أأعقر من جرّا⁣(⁣٧) كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش⁣(⁣٨) لوصل منازل

  إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل

  متى ما انتضلنا⁣(⁣٩) بالسّهام نضلته ... وإن نرم رشقا⁣(⁣١٠) عندها فهو ناضلي

  قال: فلما أصبح لبس حلَّته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرّضا لهنّ، فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبّه بقلبها وهويته، وعندها جويريات يتحدّثن معها، فوقف بهنّ وسلَّم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ فقال: إي لعمري⁣(⁣١١)، فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس، فأرادت أن تعلم، هل لها عنده مثل ماله عندها، فجعلت تعرض عن / حديثه ساعة بعد ساعة وتحدّث غيره، وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها، فبينا هي تحدّثه، إذ أقبل فتى من الحيّ فدعته وسارّته سرارا طويلا، ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغيّر وانتقع⁣(⁣١٢) لونه وشقّ عليه فعلها، فأنشأت تقول:

  كلانا مظهر للناس بغضا ... وكلّ عند صاحبه مكين

  تبلَّغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثمّ هوى دفين


(١) في ت: «هليل» بالتصغير.

(٢) في ت: «إلى النزول والحديث معهم» ولعل أصلها «معهنّ».

(٣) هكذا في ب، س، م، أ. وفي سائر النسخ: «وجعل».

(٤) كذا في أغلب النسخ وفي ت: «إذ طلع فتى عليهم في بردة الخ».

(٥) كذا في ح، وفي بقية الأصول «برود» وقد رجحنا ما في ح، لأنّ الموجود في «كتب اللغة» أنّ بردة تجمع على برد ولم يذكروا أنها تجمع على برود، وجمع فعلة على فعول يتوقف على السماع نحو شعبة وشعوب انظر «شرح الأشموني على الخلاصة» في باب جمع التكسير.

(٦) لم نقف لهذا الاسم على ضبط معين وقد ضبط بضم الميم في نسخة أ. وقد سمى العرب منازل كمساجد ومنازل كمساعد.

(٧) أي من أجل، يقال: فعلت ذلك من جرّاك أي من أجلك ومما أنشد على هذا:

أمن جرّا بني أسد غضبتم ... ولو شئتم لكان لكم جوار

(٨) كذا في أغلب النسخ ومعناه ممهد لوصله وسبيل إليه. وفي ت و «تزيين الأسواق»: «مقرون بوصل منازل».

(٩) أي ترامينا بالسهام، ونضلته: غلبته.

(١٠) الرشق: رمي أهل النضال ما معهم من السهام في جهة واحدة.

(١١) كذا في أغلب النسخ. وفي ت، ح: «إيه لعمري».

(١٢) يقال: انتقع لونه إذا تغير من هم أو فزع.