كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مجنون بني عامر ونسبه

صفحة 337 - الجزء 2

  فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعة، ونضحوا الماء على وجهه [حتى أفاق]⁣(⁣١) وتمكَّن حبّ كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كلّ مبلغ.

  خطبته لليلى واختيارها عليه وشعره في ذلك

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكيّ عن محمد بن سعيد المخزوميّ عن أبي الهيثم العقيليّ قال:

  لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيليّ وبذل لها عشرا من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيّروها بينكما، فمن اختارت تزوّجته، ودخلوا إليها فقالوا: واللَّه لئن لم تختاري وردا لنمثّلنّ بك، فقال المجنون:

  ألا يا ليل إن ملَّكت فينا ... خيارك فانظري لمن الخيار

  ولا تستبدلي منّي دنيّا ... ولا برما⁣(⁣٢) إذا حبّ⁣(⁣٣) القتار⁣(⁣٤)

  يهرول في الصغير إذا رآه ... وتعجزه ملمّات كبار

  فمثل تأيّم منه نكاح ... ومثل تموّل منه افتقار

  فاختارت وردا فتزوّجته على كره منها.

  حكاية أبيه عن جنونه بليلى

  وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال ذكر الهيثم بن عديّ عن عثمان بن عمارة بن حريم⁣(⁣٥) المرّي قال:

  خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون، فدللت عليه وعلى محلَّته، فلقيت أباه شيخا كبيرا وحوله إخوة للمجنون مع أبيهم رجالا؛ فسألتهم عنه فبكوه⁣(⁣٦)، وقال الشيخ: أما واللَّه لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعا، وإنه عشق امرأة من قومه واللَّه ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوّجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما، فزوّجها غيره، وكان أوّل ما كلف بها يجلس إليها في نفر من قومها فيتحدّثون كما يتحدّث الفتيان⁣(⁣٧)، وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب، فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضة، فتعرض عنه وتقبل على غيره، وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فظنّت به ما هو عليه من حبها، فأقبلت عليه يوما وقد خلت فقالت:


(١) زيادة في ت، ح.

(٢) البرم: اللئيم.

(٣) في س: «حث» بالثاء.

(٤) القتار: ريح اللحم المشوي.

(٥) كذا في أ، م: «حريم» بالحاء والراء المهملتين وهو الموافق لما جاء في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» ص ٢٨١ قسم ٣ وفي ت: «عثمان بن عميرة بن جرير المريّ». وفي سائر النسخ: «عثمان بن عمارة بن خزيم المريّ».

(٦) في ت، ح: «فبكوا».

(٧) كذا في ت. وفي أ، س، م: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان إلى الفتيات» وفي ب: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان إلى الفتيان» وفي ح: «فيتحدّثان كما يتحدّث الفتيان».